نادية مختار.. رحلت أمّ إيمان وتركتنا على سراط الحزن المستقيم
الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء، والوجعة الأولى تتمدّد، ونحن نتساءل: أحقّاً رحلت أمّ إيمان؟
قطع (الزّلط) يقطع نياط القلوب التي لا تحتمل حزناً جديداً.. (الخوجلاب) في بواكير المساء.. منادي الموت ينزع يد نادية عن يد رفيقتها وزميلتنا بالغراء صحيفة (السوداني)، فاطمة خوجلي.. العربة المسرعة تضع نهاية لحياة حافلة بالبذل والعطاء في بلاط صاحبة الجلالة، وتكسو بلّور الشاشات بالسواد حين غابت الابتسامة النادية.
لكأنّها والمصائر تتربّصها كانت تقرأ وقع خطوها؛ فرسالة أم إيمان التي دوّنتها في العاشر من أكتوبر على صفحتها الشخصيّة في الفيسبوك كانت معبأة بالفراق حتى آخر نقطة فيها: (رساله إلى محمد في عليائه؛ واحشني يا أبو إيمان، يا ابن عمّي يا غالي، ياريت في يدّك ترجع لي، ولا في يدّي أجيك هناك في الجنّة، التي أسأل الله أن تكون تحت ظلّها الوارف).
صباح الرحيل تكتب نادية تقريرها دون أن توقّع عليه.. هو التقرير الأخير؛ تتبّع ما يمكن أن تؤول إليه الحالة في وادي النيل، تذهب فقط لتترك لنا حقّ أن نستجدي ذرّات مياهه لتجفّف حزننا ودمعنا، إن كان يتأتى له أن يجف.
ونادية في محاولتها تجميع شتات الذاكرة عبر تدشين موقعها الإلكتروني تعرف نفسها بأنّها دنقلاوية لم تر دنقلا سوى مرّة واحدة، تاركة حبل حياتها ينساب عبر شوارع بحري، التي ولدت فيها، بالشعبية، قبل أن تنتقل إلى القشلاق بالقرب من ميدان عقرب، ومنها إلى المحروسة، التي ذهبت إليها عروسة (بضفائر)، حسب توصيفها، زوجةً لابن عمها الراحل محمد الحاج، الذي رُزقت منه بوحيدتها إيمان.. قبل أن تبدأ انطلاقتها في محافل وسوح الإعلام، تنثر درّها وجميل القصيد، في السياسة والاجتماع وضروب الفنون والمنوّعات، وتطوّف جائلةً خلال مسيرها بين عدّة صحف وقنوات، قبل أن تطلّ بابتسامتها الوضيئة من فضائيّة أمدرمان.
والغارقة في تفاصيل (السماح)، لدرجة أنّها لا تختم أيّ حديث يجمعها – بأيّ كائن كان – سوى بعبارة غارقة في السودانيّة ويضوع من ثناياها خالص معاني البشاشة والودّ والترحاب: (سمح). آخر ما كتبته في موقعها الخاص: (وشكراً لكل من يحبّون (نادية)، ولكلّ من يكرهونها أيضاً (إن وجدوا)، لأنّ وجود الكارهين يعظّم من قدر ومكانة ومعزّة المحبّين في قلبي.. ولأنّ الدنيا في الأساس لا تسوى جناح (بعوضة) دون الحب و.. أيضا لأنّ آخرتها (كوم تراب) ولن يبقى للناس من بعد الرحيل الأبدي سوى الذكرى الطيبة.
ومن لا يحبّ نادية؟ تلك التي تجيد التوغل في دواخل الغير وتتحكّر في قلوب الناس محبّة، بصوفيّتها المدهشة، و(العندو محبّة ما خلّى الحبّة).. كانت نادية كبيرة، تماماً كجرح غيابها في دواخل الذين كانوا هناك.
مساءات الحزن البحراوية ترتدي وشاح نادية، فالحزن يليق بغيابك في شارع صاحبة (الابتسامة).. الجميع يأتي تسبقه دموعه التي كانت أصدق توصيف للمكان والزمان؛ هنا (الشعبية).. المنزل مطلي بلون الفراق، والشارع تحتلّه (العبرات).. فراغ المساحات تملؤه سريعاً صرخات النائحات.. هنا لا يمكنك أن تفرّق بين دموع الرجال والنساء، والدمع يوحّد كما الحزن.
الواحدة والنصف.. بالكاد تجد عربة الإسعاف مدخلاً بين أرتال السيّارات في (باركينق) تمّ اختلاقه كيفما اتّفق، تماماً كما جاءت الفجيعة من غير ميعاد.
في طريقها للمنزل يتجاوز سائق الإسعاف العربات ليفاجأ بأنّ البشر يسدّون قرص البرد والطريق في ذات الوقت.. بياض العربة يضاهي نيّة قلب المحمولة على متنها.. تنسال على (البودي) دموع مختلطة بلون الليل ولا صباح يلوح في الأفق.. دقائق تمرّ بين التصديق وانتظار أن يكون المشهد برمّته محضّ حلم..
تستيقظ علي لحظة الحقيقة بالهتاف (لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله).. الصوت يشقّ سكون بحري، والأقدام تشقّ هدوء الشارع في الطريق إلى مقابر شمبات.. ويشقّ على رفاقنا ممن ما زالوا يعالجون الصفحات في مقرّ الصحيفة نعيها.. هم أيضاً هناك تلقوا النبأ بكثير من الذهول، قبل أن يعاجلوا أنفسهم بالاستغفار و(ما دائم إلا وجه الله).
قبل الثانية بدقائق تتوسد الابتسامة قبرها ويحاول المشيعون أن يتغطوا بأحزانهم في طريق العودة بلا نادية؛ يكفيهم أن يقالدوا بعضهم للمرّة العاشرة ربّما، وتكفيها الذاكرة الطيّبة وحسن السيرة التي تركتها عند الجميع، وهم يرفعون الأيادي وهم يرددون: (الفاتحة)، وتردّد سيماهم بلسان الحال قبل المقال: “الجميلون يرحلون صوب الدواخل”.
ويا نادية عثمان مختار الموت صحّي بعرف يختار.. ليرحمك الله ويسكنك في جنّة تليق بابتسامتك عابرة الضلوع.. اللهم ارحم نادية، وامنحها بيتاً في الجنة، فقد كانت من عبادك، الذين يسعون بالخير وكلّ المحبّة لعبادك
صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]
حضرت الساعة العاشرة والنصف مساء فتحت التلفاز ممرت عابرا علي بعض القنوات حتي اتكئ علي قناة امدرمان … ووجدته يبث القرآن الكريم ومسبحة وسألت نفسي ياربي من انفرط من عقد تلك المسبحة اللهم اجعله خير وانزلقت عيناي علي الشريط الاخباري وبمزيد من الحزن والالم وناديه تفارق ابتسامتها جدران شاشة الحرية والجمال … واحسست بأن ضوء الشاشة اصبح باهتا بلا ابتسامة وخيط الامل والابتسامة والبشاشة انفرط من تلك المسبحة ليعرج به عاليا في سماوات المحبة حيث ابو ايمان … آآآآه يانادية كلما نغرد مع زمن الافراح ثوان قليلة يأبي خطام حادينا الا القهقري الاحزان … زوجتي ام احمد بكت عليك دمعا سخينا مع انك لم تعرفيها وهي فقط عرفتك في برنامج الصباح الاذاعي .. سنحاول ان نتماسك ونلوذ بأخر ماكتبت وكأنك كنت تعلمين الوعد والموعد … اللهم انا نشهد بأن نادية كانت تؤمن بك وبرسولك وتفعل الخير فأسكنها فسيح جناتك وزوجها وجميع اموات المسلمين آمين ..
ملاحظة : ” ليرحمك الله ويسكنك في جنّة تليق بابتسامتك عابرة الضلوع.. ”
التعبير هنا ” جنة تليق ” قد خان الكاتب .. مع فهمنا لما يريده .
اللهم اجرنا في مصيبتنا …
كنت أتابع تلك الإنسانة فكان الإحساس الذي يعتريني أنها متعجلة
تريد أن تفعل أشياء كثيرة لكن الزمن لايكاد يكفيها …لأنه ينتظرها رحيل عاجل فتريد أن تنجز أقصى ماتحتمله طاقتها ومالا تحتمله .
رثت ” الحوت ” بأبيات ولم تدرِ أنها ستلحق به سريعا
رحمها الله …وألهم كل من له بها صلة قرابة او مهنة الصبر والسلوان
[SIZE=4]كنت أتابع تلك الإنسانة فكان الإحساس الذي يعتريني أنها متعجلة
تريد أن تفعل أشياء كثيرة لكن الزمن لايكاد يكفيها …لأنه ينتظرها رحيل عاجل فتريد أن تنجز أقصى ماتحتمله طاقتها ومالا تحتمله .
رثت ” الحوت ” بأبيات ولم تدرِ أنها ستلحق به سريعا
رحمها الله …وألهم كل من له بها صلة قرابة او مهنة الصبر والسلوان[/SIZE]
[B][SIZE=4][B][SIZE=3]ندعو الله صادقين ان يرحمها ويحسن اليها
[SIZE=3][/B][/SIZE]لكن بس المزعلني شدييييييييييييييد الاستاذ اللي كتب كلمة صراط ( سراط)ما حافظ سورة الفاتحه .[/SIZE][/SIZE][/B]