رأي ومقالات

هدية علي: مؤسسة الوزير و «أبو علي» والبرلمان

[JUSTIFY]أن يخرج علينا وزير المالية السيد علي محمود يشكو مر الشكوى بل ويستجدي أعضاء البرلمان لسن قانون يقلص عدد الولايات والوزارات حتى يحمي نفسه من غول الصرف الدستوري، فهذه لعمري شهادة غير منقوصة ولا عرضة للمزايدات ولا يمكن أن تحوم حولها شبهات، لأن السيد الوزير مثله مثل الوزراء يتنعم بالوظيفة ويتباهى بها إن أراد ذلك، ولكن المسؤولية الأخلاقية جعلت الوزير يختار الحديث بدلاً من الصمت عن الواقع المر الذي يعرفه هو قبل غيره «فالرجل عارف البير وغطاها»، واختار ألا ينافق الحكومة والشعب، واختار أن يواجه الجميع بالحقائق وإن كانت تتعارض مع مصالح آخرين، فهو ينظر بعيداً، أو كما يبدو، لأيام قادمات والتأريخ لا يرحم ..

الوزير منذ جلوسه على كرسي وزارة المالية حاول أن يكون صريحاً في كل القضايا.. لم يكذب ولم يتجمل، وحينما طالب الشعب بأن يربط الأحزمة ويرجع لأكل الكسرة قامت عليه الدنيا، لكن أزمة الخبز الاخيرة أكدت أن الرجل كان على حق، ولما صارحنا بالزيادة في أسعار الوقود أيضاً طالته سهام التجريح والنقد لكنه استمات في دفوعاته، فالرجل كان يدرك أن «يا هذا أو الطوفان» فبلعناها، وهكذا يمضي الرجل في معالجة جراح الاقتصاد الغائرة.. والحقيقة علي محمود ورث هذا الوضع المأزوم عن الذين سبقوه على الكرسي، فهؤلاء مارسوا تغييباً عجيباً للشعب.. وجعلونا عايشين في العسل ونايمين على الورد .. وقالوا إن الوضع الاقتصادي «عال العال» والاقتصاد لن يتأثر بفصل الجنوب، وليست هناك أية انعكاسات سلبية من الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الداخلي، كما طمأنوننا إلى أن احتياطاتنا من النقد الأجنبي تمام التمام، والبنك المركزي مليء بالعملات الصعبة، لكن هذه الإفادات التي سمعناها من شخصيات كنا نحسبهم دهاة الاقتصاديين في البلاد، ولذلك اطمأننا كل الاطمئنان إلى أوضاعنا الاقتصادية، ولكن سرعان ما ذابت مثل كرة الثلج، وانهارت كل التوقعات.. وذهب الجنوب ولم نرتح اقتصاديا، بل فقدنا النعيم الذي كنا فيه إبان حرب الجنوب .. ولو خلونا في حالنا كان أفضل. وما يؤسف له حقاً أن ذات المبشرين بدولة الرفاه والاستقرار الاقتصادي هم الذين ظهروا أخيراً وملأوا الدنيا حديثاً بأن الاقتصاد انهار ودخل غرفة الإنعاش.. وأن البرنامج الثلاثي فشل في تحقيق أهدافه، ولم يعترفوا بأنهم هم الذين أوصلونا لهذه المرحلة، بيد أنهم كانوا يمسكون بالملف الاقتصادي ويقومون على إدارته، ولهذا فإن الساكت على الحق شيطان أخرس.. وهذا هو الفرق بين علي محمود والآخرين.. فالوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد هذه الايام لم يكن بأي حال هو وليد صدفة او حالة استثنائية، انما هي مراحل مرَّ بها الاقتصاد، ولم يكن القائمون على أمره وقتها صادقين في معالجاتهم أو قد يكونون غير قادرين على وضع الوصفة العلاجية الصحيحة لعلاج الحالة الاقتصادية، وإلا بماذا نفسر ما يحدث الآن. ويحمد لوزير المالية أنه كان صريحاً في كل القضايا، وحاول أن يشرك الجميع في علاج الأزمة الاقتصادية، وأن يضع الوصفة الاقتصادية تحت الأضواء الكاشفة عكس من كانوا قبله، وصبر على ما تعرض له من نقد وهجوم عنيف خلال الفترة الماضية وما طاله من سهام الصحافة، ومضى في تنفيذ المعالجات الاقتصادية، فالعلاج بالكي أفضل من الطبطبة.

سادتي النواب.. خذوا حديث أبو علي بعين الجد، فالرجل صاحب وجعة ويدرك تفاصيل الصرف الدستوري وأثره على الميزانية العامة والمستحق منه وغير المستحق.. وربما يرى الوزير أن الدستوريين في المركز والولايات يعملون في وظائف شاغرة.. لأن الصرف في الفقه المالي إما تقابله «خدمة» أو «إنتاج» يعني ما في حاجة «ساي». والوزير من حيث تحليل التكلفة مؤسسة قائمة بذاتها من حراس ومديرين تنفيذيين وسكرتارية وسائقين وآخرين وآخرين معه، وهذا الجيش العرمرم في خدمة الوزير أو الوالي تتحمل الصرف عليه الدولة.

والسيد الوزير يعلم ان الدولة القت بكل الاعباء على المواطن ولاحقته حتى في «قفة ملاحه».. المواطن أيها السادة أعضاء البرلمان الموقرون من واجبه أن يتحمل تبعات علاج الاقتصاد، ولكن من المحزن أن تحملونه تبعات رفاهية المسؤولية، فمن باب أولى أن تبدأ الحكومة بنفسها، وهذا ما أراده السيد الوزير.. فرجاءً اعملوا حاجة واحدة من أجل المواطن.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]