مستقبل السودان .. مآلات العاصفة
—-
المتحدث الرئيسي في الندوة التي نظمها المعهد الاسبوع الماضي كان المؤرخ البريطاني المختص في الشأن السودان الدكتور ادوارد توماس. وشارك في النقاش والحوار مختصون آخرون من بينهم السير دريك بلمبلي رئيس مفوضية التقييم والتقدير الذي حذر من مخاطر فتح اتفاق السلام الشامل للتفاوض من جديد.. واندرو ناتسيوس المبعوث الامريكي السابق للسلام في السودان والذي دعا لتغيير نهج الادارة الامريكية تجاه السودان، والدكتور اليكس دي وول وهو ايضا مختص بالشأن السوداني شبه سير انفاذ اتفاق السلام الشامل برحلات قطارات السودان القديمة.
الدكتور ادوارد توماس الذي قدم خلال الندوة خلاصة دراسته والتي نشرها بنفس عنوان الندوة في لندن عن مؤسسة (جازام هاوس) البحثية البريطانية والتي تعنى بدراسات المستقبل قال ان عوامل توحد شمال السودان ضعفت للحد الذي باتت تهدد وحدة الشمال نفسه. وان نزاعات جديدة سوف تندلع في أنحاء متعددة من البلاد ما لم تتسارع الخطى بإنفاذ ما تبقى من بنود اتفاق السلام الشامل وان يكون ذلك مربوطا بحل ازمة دارفور وبقية الاطراف النائية التي تشعر بالتهميش.
الدكتور ادوارد توماس خاض عميقا في تاريخ السودان ليستنتج اسباب النزاع حيث تسود الانتماءات العرقية والجغرافية والطائفية وانعكاساتها السياسية، وذلك ان الاحزاب السودانية إستندت عند نشأتها الى طائفتين اساسيتين هما الانصار والختمية ولكن مع ظهور التيار الاسلامي الذي تمحور في المؤتمر الوطني ظهر عنصر المال والتجارة لبسط النفوذ.. أما الاحزاب التقليدية فلم تكن لها أي موارد اقتصادية ولم تكن تملك النفوذ الذي يمكنها من حل المشاكل المحلية والمشاكل والنزاعات الاخرى حتى نشب نزاع دارفور وكنتاج لذلك يضيف توماس لجأ البعض لتسليح المجموعات المحلية ليزيد من مكانته. وزاد أخيراً من هشاشة الوضع مذكرة كبير المدعين بمحكمة الجنايات الدولية الخاصة بتوقيف الرئيس عمر البشير ما يدفع المؤتمر الوطني لتحالفات جديدة لضمان استمراره.
ويقر توماس بإستحالة تغيير النظام في السودان بقوله : لا اظن ان كتشنر ينتظر في مصر او تشاد .من المستحيل ان يحدث ذلك في اشارة إلى الضابط البريطاني كتشنر الذي قضى على الدولة المهدية في «1890» أي نهايات القرن قبل الماضي.
الدكتور اليكس دي وول الباحث البريطاني المختص في الشأن السوداني أشار الى جملة من المصاعب التي تمر بها البلا د مشبهاً سير انفاذ اتفاق السلام في السودان برحلة قطار على خطوط السكة الحديد القديمة من نيالا الى سواحل البحر الاحمر وما يصاحبها من عقبات وتأجيلات ولعل في ذلك اشارة الى ان الرحلة مهما طالت فإنه لا بد من بلوغ الهدف.
أما السير دريك بلمبلي رئيس مفوضية التقييم والتقدير فقد اشار الى التأجيل في عمل لجنة اعادة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب منوها الى القضايا الاخرى التي قد تتأجل بدءا من إعادة الانتشار مرورا بالانتخابات إنتهاء بالاستفتاء.
ومهما كانت مآلات الاوضاع فإن بلمبلي الذي زار واشنطون في ديسمبر الماضي والتقى بجينداي فريزر حذر من فتح اتفاق السلام الشامل للتفاوض من جديد واضاف : هذا الاتجاه يمكن ان يبرز في حالة واحدة فقط وهي التوصل لاتفاق سلام شامل في دارفور ولكنني لا اتفق مع ذلك لان اتفاق السلام الشامل كان بمثابة جائزة كبيرة لا يمكن تعريضها للخطر واتفق معه في الرأي المتحدث الرئيسي توماس الذي شدد على استمرار الحركة الشعبية في القيام بدور تنافسي في الشمال.
المبعوث الامريكي السابق للسلام في السودان اندرو ناتسيوس شدد على ضرورة اجراء تحول في السياسة الامريكية تجاه السودان في اشارة الى ضرورة مفارقة نهج سياسة الادارة الامريكية السابقة التي قامت بممارسة الضغوط والعقوبات وكذلك في اشارة لتصريحات بعض المحسوبين على الادارة الجديدة الذين هددوا بالتدخل العسكري والحظر الجوي لدارفور. وناشد ناتسويس ادارة اوباما عوضا عن ذلك النظر في اجراء تسوية سياسية كبيرة في السودان لضمان اكمال انفاذ اتفاق السلام الشامل وان تشمل هذه التسوية المجموعات المتمردة في دارفور، وقال ناتسيوس ان اتفاق ضمان الامن سيقوي اولئك الذين لا يودون العودة إلى الصراع.
واشاد ناتسيوس بقرار قادة حركة العدل والمساواة الذهاب الى العاصمة القطرية الدوحة لاجراء مفاوضات حول المبادرة .
وللحفاظ على استمرار اتفاق السلام الشامل رغم العاصفة يدعو ادوارد توماس الحاصل على درجة الدكتوراة في تاريخ السودان ولديه عدد من المؤلفات عن السودان وعمل بمكتب الامم المتحدة بالخرطوم في خلاصة دراسته ومداخلاته يدعو المجتمع الدولي الاسهام في انفاذ اتفاق السلام الشامل في جميع انحاء السودان وان يكون ذلك مرتبطا بالتقدم في ايجاد حل لازمة دارفور. كما قال: ان الاهتمام بأمور عالجها اتفاق السلام الشامل مثل اصلاح الاراضي واحداث التنمية واعادة الاعمار هي أمور مهمة لدفع تقدم سلام دارفور والاقاليم التي يمكن ان تنشب فيها نزاعات جديدة.
الوليد مصطفي :الراي العام [/ALIGN]