تحقيقات وتقارير
الخيارات الوطنية لمواجهة أزمة (الجنائية)
وتحدث هؤلاء في منتدى الصحافة والسياسة الذي يعقد شهريا بدار الامام الصادق المهدي في الملازمين بامدرمان، وقد خصص المنتدى جلسته أمس للبحث عن رؤية قومية للموقف من الجنائية الدولية.
وتثير قضية المحكمة الجنائية منذ مذكرة اوكامبو، ردود افعال وسط التنظيمات السياسية بعد صدور تلميحات بقرب موعد إعلان قرار قبول قضاة المحكمة لمذكرة مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو، الامر الذي دفع البعض الى الدعوة الى ضرورة التعاون مع المحكمة مع رفض المساومة بالرئيس البشير، وذهب البعض الي ان القرار سيحدث تأثيرات علي الساحة السياسية والامنية مما يؤدي الى تصاعد موجات العنف في دارفور، فضلا عن أن مثل هذا القرار قد يهدد اتفاقيات السلام الموقعة ويزيد من مهددات ومخاطر ستواجهها عملية الانتخابات المرتقبة وعملية الاستفتاء.
وفي هذا الخصوص، دعا زعيم حزب الامة القومى، الصادق المهدي، لانشاء محكمة هجين، تضم قضاه سودانيين ذوي استقلالية وكفاءة، وقضاة عربا وافارقة، يكون لها ادعاء خاص بها، وتعمل بالقانون الجنائي الدولي، للنظر في الجرائم المتصلة بأزمة دارفور، واعتبرها خيارا قانونيا بديلا لتجاوز قضية المحكمة الجنائية الدولية، لكن خبراء قانونيين رأوا ان تنفيذ المقترح سيواجه صعوبات قانونية جمة، بينما اعلن المؤتمر الشعبي انه لا يمانع في المشاركة في حل لأزمة الاقليم باشراف حكومة قومية تشمل ما اسماه القوي المعتبرة.
وقال المهدى امام منتدي الصحافة والسياسة الشهري أمس، الذي خصص جلسته للبحث عن رؤية قومية للموقف من الجنائية الدولية، ان حزبه يقود حوارات مع جميع القوي السياسية لبناء اجماع وطني حول القضايا الوطنية، واقترح تكوين محكمة هجين ، تضم قضاة سودانيين ذوي استقلالية وكفاءة، وقضاة عربا وافارقة، يكون لها ادعاء خاص بها، وتطبق القانون الجنائي الدولي، للنظر في الجرائم المتصلة بأزمة دارفور علي ضوء السوابق في المحاكمات الدولية، ورأى انه الخيار القانوني البديل الذي لا يسلم رأس الدولة ولا يمكن من الافلات من العقاب، وقال يجب الا يستثني من العدالة احد، وحذر من الردود الانفعالية حال صدور قرار المحكمة، وقال ان خط المواجهة سيحدث انقساما في الجسم السوداني وفي الحكومة، وشدد لمعالجة ناجزة لأزمة دارفور، ودعا لتجاوز سقوف اتفاقيتي نيفاشا وابوجا، كما كرر المهدي دعوته لادارة قومية للبلاد، وطالب الاحزاب بالتخلي عن اجندتها الحزبية، وقال يجب ان يتم اقناع مجلس الامن بارجاء قرار الجنائية لعام نتطرق خلاله للأزمة وحلها.
واتفق الخبير القانوني، الدكتور امين مكي مدني، مع ما اقترحه المهدي، ودعا للتعامل بالهدوء حال صدور القرار، ونوه الي ضرورة النظر الي الامر من جوانبه القانونية والدبلوماسية والسياسية، ونبه الي ان توقيف الرئيس سيؤدي الي خلل وفراغ يصعب ملؤه ومخاطر اشد، ووصف المحامي عمر شمينا مقترح المهدي بالمعقول ، لكنه اشار الي ما اعتبره صعوبات كثيرة ستواجهه، وقال ان احالة مسألة دارفور من مجلس الامن الي المحكمة الجنائية الدولية، بموجب القرار 1593، تجب مبدأ التكاملية الذي تكون به الجنائية مكملة للقضاء الوطني، كما تجب الحصانة التي يتمتع بها اي شخص مهما يكن، مشيرا الي ان السودان اهدر فرصة قانونية، مبينا انه كان يمكن ايقاف اجراءات مدعي الجنائية استنادا الي المادة 53 من ميثاق روما التي يمكن ان توقف الاجراءات بالكامل، وقال تنص علي انه اذا رأى المدعي ان اجراء التحقيق لن يخدم العدالة يقوم بوقفه، واضاف اهدرنا هذه الفرصة، وتابع ان عدم قبول اختصاص المحكمة سيدخلنا في مهالك، موضحا ان المذكرة التي تقدمت بها منظمة «صادق» الي المحكمة مطالبة بوقف الاجراءات اشتملت علي مسائل سياسية وليست قانونية، وشدد علي ضرورة حل الأزمة في دارفور واطلاق الحريات وتوحيد الجبهة الداخلية، وقال نائب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي، عبد الله حسن أحمد، ان حزبه لا مانع لديه من ان يكون جزءا في حل قومي، يتم باشراف حكومة قومية، لكنه دعا الحكومة التي اكد عدم ثقته فيها، للتخلي عن سيطرتها علي الحكم واشراك ما وصفه بالقوي المعتبرة، وقال علي الحكومة التخلي عن سيطرتها علي الحكم واشراك القوي المعتبرة، واضاف في هذا الحال لا مانع من ان نتعامل مع اقتراح المهدي بتكوين ادارة قومية للبلاد، وتفويضها لحل مشكلة دارفور، لكنه عاد وقال من الصعب الحل القومي في عباءة الحكومة الحالية، واشار مكي بلايل الي صعوبات حقيقية وحذر من عدم نجاح اي مبادرة احادية، وقال ان اي خطوة احادية للحل أو مبادرة من النظام تكون مجرد كلام، مشترطا اشراك الحركات المسلحة، والقوي السياسية في خطوات الحل، ثم الاتفاق علي تدابير تضمن استقلالية القضاء وتحقيق الاستقرار بالبلاد، بينما رأى عصام الدين ميرغني، القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي، والتحالف الوطني السوداني، ان صدور قرار من المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس البشير، من شأنه ان يدخل البلاد في عزلة وقد يؤدي الي انفصال مبكر للجنوب، وشدد علي ان يأتي اي حل من منظومة قومية.
ومع حالة التوتر والتوجس، فان القوى الوطنية ظلت تدعو الى التعامل مع الأمر بقدر من المسؤولية حتي لا يفقد السودان المجتمع الدولي باعتبار ان هناك فرصا لاحت للتعامل في السابق، لكن الحكومة لم تفلح في التعامل معها، ويدعو هؤلاء الى ضرورة التعاطي مع القرار المرتقب من قضاة الجنائية الدولية، من منطق المسؤولية والحزم لأن القرار كان نتيجة إحالة من مجلس الامن وبالتالي هناك فرصة واحدة لدى مجلس الامن الذي يحق له انهاء الامر بتجميد الملف في حال حل أزمة دارفور.
وطالب قانونيون وسياسيون ان تسعى الحكومة والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، الى مساندة تفعيل العدالة الوطنية، لأن المساس بالرئيس يعتبر مساسا بالسيادة الوطنية، وذلك رغم اختلاف عدد من القوى السياسية مع نهج حزب المؤتمر الوطني الذي يقود به البلاد، لكن كثيرين يتفقون على ضرورة الوقوف مع الرئيس، لكن ذلك ايضا يحتم علي المؤتمر الوطني فتح القنوات مع الاحزاب للوصول الي صيغة تجنب البلاد التدهور والانهيار وبالتالي يري البعض ان القرار لايمثل نهاية المطاف ، ويجب النظر والتعامل بدبلوماسية لايقاف الاجراء ومخاطبة مجلس الامن وتهدئة الامر، ويري البعض ان أزمة المحكمة الجنائية تكون فرصة للبناء الوطني الا ان البعض يري غير ذلك باعتبار ان من الصعب ان يتخلي الوطني عن سدة الحكم وان الاتفاق علي رؤية قومية تواجهه صعوبات.
ويري دكتور عبد الرحمن ابراهيم الخليفة في ندوة مؤسسة سند الخيرية ان هناك تأثيرا علي ادعاء المحكمة الجنائية علي السلم الاجتماعي في السودان ويتسبب في تصاعد موجات العنف في دارفور نتيجة للاجواء التي افرزتها تحركات المحكمة الجنائية وتدهور الاوضاع الامنية ويساهم في خلخلة المجتمعات المستقرة الآمنة في دارفور بجانب التأثير السالب علي عملية بناء السلام وحركة التنمية .
ويمضي الخليفة في القول ، ان الرئيس هو دعامة وضمان الاستقرار والسلام واستهدافه هو استهداف لاستقرار السودان كله ، ومحاولة المحكمة الجنائية تغيير الرئيس وخلق توتر سياسي مدمر تكون عواقبها اشد فتكا من الحرب، ويضيف انه يمثل انتقاصا من مكانة القضاء السوداني، الامر الذي يرفضة البعض بان مثل هذه الاجراءات تدخل السودان في مواجهة مع المجتمع الدولي وان الامر يتطلب التعاون بهدوء حال قبول قضاة المحكمة لمذكرة اوكامبو.
جعفر السبكي: الصحافة [/ALIGN]