يا أهل الإنقاذ.. تعالوا نتبادل المواقع !
لا شك أن كثيرين ممن يقرأون أصل المسألة خاصة عندما أكتب عن الشريعة وعن الدستور يظنون إنني أنا الذي أكتب هذا الكلام!! صحيح أنا أمسك القلم وأضع الورقة أمامي وأبدو وكأني أكتب.. ولكن المتأمل والمتعمق جيداً في المشهد يرى أن هناك يداً أخرى فوق يدي تمسك بيدي وتحركها فوق الصفحات لتكتب تلك العبارات الشديدة اللهجة والقاسية في أحايين كثيرة.. ولو أنني تركت لحالي لما كتب سطراً واحد مما أكتبه.
إن اليد التي تمسك بيدي وتكون هي الكاتبة ويدي تتوجه بالقلم حيث توجهها تلك اليد.. هذه اليد هي يد الإنقاذ.
وهذا المنظر وهذا المثال منقول نقلاً دقيقاً من الصورة المرسومة في الذاكرة من ذاكرة كل واحد منا، عندما كان صغيراً وكان لا يحسن الكتابة ولا يحسن الخط ولا يحسن (تقعيد) الحروف، وتأتي سطوره مائلة ومعوجة، فلا يملك الأستاذ أو الفكي في الخلوة أو الأب أو الأخ الأكبر إلا أن يمسك يده وفيها القلم أو الطباشيرة أو يمسك بسبابته إذا كان في الخلوة ويكتب على الرمل أو على التراب.
إن ذلك الطفل يبدو وكأنه يكتب.. ولكن الكاتب الحقيقي هو ذلك الممسك بيده.
فأنا عندما أكتب عن الشريعة.. والشريعة عندي هي مفتاح كل خير.. لا أكتب إلا ما يمليه عليّ الواقع، الواقع الإنقاذي.. والواقع السوداني.. والواقع الحركي.. والواقع السياسي.. ومفاتيح كل ذلك عند الإنقاذ وعند أهل الإنقاذ.
فلماذا لا تتبادل معنا الإنقاذ الأدوار؟.
إن الإنقاذ الآن تفرض علينا شيئاً كنا نرجو ألا نكتبه.
والإنقاذ الآن في حاجة ماسة إلى من يمسك بيدها ويحركها فوق القرطاس.. لتكتب دستوراً إسلامياً خالياً من العيوب والندوب.
أنا أظن أنني لو أقسمت أن كثيرين من أهل الإنقاذ يتطلعون بأشواق حقيقية للشريعة وللدستور الإسلامي وللمجتمع المسلم لكنني باراً وصادقاً في قسمي.
إلا أن شيئاً من الران.. بل ربما كثيراً من الران.. حال دون تحقيق هذه الأشواق.
والرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام.. ما أعظمه وما أنصحه وما أبلغه وما أوضحه عندما خاطب هذه الحالة البشرية التي تصيب الناس جميعاً أهل الإسلام وغيرهم فقال :« والله ما الفقرأخشى عليكم» وهي من جوامع الكلم، وقد أعطي عليه الصلاة والسلام جوامع القلم ومفاتيح البيان.
أي أنه لا يخشى علينا الفقر نفسه.. أي أن نعيش العمر كله فقراء.. بل يبشرنا بأن الدنيا ستفتح علينا.
وهو أيضاً لا يخشى علينا فتنة الفقر.. أي لا يخشى علينا أن يجرنا الفقر إلى الكفر وإلى الشرك به وإرتكاب المعاصي.
ولكنه يخشى أن تفتح علينا الدنيا.. أي أن الدنيا ستفتح علينا.. وهذه بشارة منه صلى الله عليه وسلم.. ويغلبها تحذير.. وهو التحذير من التنافس في الدنيا.. فتهلككم كما أهلكتهم.. ولكنني رغم كل تلك القتامة والإحباط الذي يطل من بين السطور، فإن هناك بريقاً من الأمل أن نتبادل الأدوار.. فتخط الإنقاذ صفحات خالدات في الشأن الذي تشربت له الأعناق.. وتتوق إليه الأنفس وتهفو اليه القلوب.
فيسطر الحكام في أبواب الولايات والمعاملات والوزارات والأموال والابضاع.. فيخيل اليك أن الموقعين هم أقضى القضاة المارودي أو أبو ليلا، الفرا، أو القاضي شريح، أو أياس.. أو العز.
ويكتب ويسطر أهل القلم وأهل الإعلام، فيخيل اليك أن الموقعين والكاتبين هم الفاروق أو الكرار أو أشج بني أمية.. أو الناصر صلاح الدين.
عندما نرى العلماء الذين هم العلماء والحكام الذين هم الحكام يتغارظون الثناء والمديح، فأعلم أن الأمر في طريقه لأن ينصلح.. وعندما تحدث الجفوة والقطيعة بينهما فاعلم أن التحاسد قد استحكم بين الفريقين وقد دقوا بينهم عطر منشم.
إن دليل العالم الرباني هو قوله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: «فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» وإن دليل الحاكم الرباني هو أن يذهب سليمان بن عبد الملك وولده إلى عطاء بن أبي رباح يتعلمان منه مناسك الحج، فيتشاغل عنهما باوراده حتى إذا ما انقضى أقبل على أمير المؤمنين بصفحة وجهه، والخليفة يسأل وعطاء يجيب حتى فرغا وخرجا.. فلما خلدا إلى نفسيهما قال سليمان لولده يا بني عليك بتعلم هذا العلم، فإني والله لا أنسى ما حييت ذلنا أمام هذا العبد الأسود؟.
وكان عطاء بن أبي رباح من أعلم أهل زمانه، وكان من الموالي وأصله نوبي، وكان مفلفل الشعر، أفطس الأنف، إذا جلس بدا وكأنه الغراب الأسود، ومع ذلك كان وارث عبد الله بن مسعود في العلم.
ومع ذلك فإن جلوس هذا الخليفة القرشي الأموي الشريف الحسيب النسيب خليفة المسلمين، وأعظم ملوك الأرض في زمانه، مما تسجل له في صحائف أمجاده، ولعله من الحسنات التي تنجي صاحبها من النار.. فلا غرو أن يضيف اليه حسنة أخرى أكبر منها.
فكان من أعظم حسناته ومنفعته على رعيته وعلى المسلمين في زمانه بل على الأمة الإسلامية إلى قيام الساعة إنه هو الذي وصى بالخلافة بعده لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس في حساب أكثر أهل العلم.
اللهم اجعل من علمائنا أمثال عطاء بن أبي رباح، وهو منا أهل السودان وحق لنا أن نفتخر به.
ثم اللهم اجعل من حكامنا مثل سليمان بن عبد الملك الذي لا يأنف المجيء إلى هذا المولى الأسود ويجلس اليه حتى يفرغ من عبادته ويفرغ ممن سبقه من أهل المسائل والفتاوي والسؤالات.
اللهم واجعل الذي بين حكامنا وعلمائنا مثل الذي كان بين سليمان وعطاء.. واجعل ذلك كله في خدمة الإسلام والمسلمين في حفظ الملة والدين..
صدقوني هذه المرة كتبت بقلمي وأملاه عليّ رجل من حاشية سليمان.. اللهم اجعل سليمان في القصر ليأتي بعده عمر بن عبد العزيز.. أشج بني أمية!.
صحيفة آخر لحظة
رأي: سعد أحمد سعد
ت.إ[/JUSTIFY]