تحقيقات وتقارير
بسبب المتمردين : الخرطوم..انجمينا.. اتهامات متبادلة
فبالأمس كانت علاقة البلدين مع موعد آخر من التوتر، وذلك عندما إتهم دكتور كمال عبيد وزير الدولة بوزارة الاعلام، إنجمينا بالتنصل عن الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين البلدين، كاشفاً عن تورط تشادي جديد لدعم حركة العدل والمساواة بقوله «ان قوات تشادية تتبع لقوات الحرس الجمهوري التشادي دخلت إلى دارفور تحمل إمداداً وتعيينات لفك الحصار المضروب من جانب القوات المسلحة السودانية على حركة العدل والمساواة بشمال وشرق الفاشر»، واتهم عبيد تشاد بتوفير الحماية ومنح حركة العدل والمساواة تسهيلات للمرور من مناطق أم جرس داخل الحدود التشادية إلى مهاجرية، مشيراً إلى ان قوات المتمردين تحركت من شرق تشاد في السابع من يناير الحالي من معسكرات داخل الأراضي التشادية تتمتع بحماية وتأمين القوات التشادية الحكومية.
وكانت الحكومة التشادية قد استبقت اول امس الاتهامات السودانية بإتهامات مضادة عندما قالت إن الخرطوم تواصل دعم المتمردين التشاديين، واكدت أن الخرطوم شاركت في الثامن عشر من يناير في تأسيس اتحاد قوى المقاومة الذي يضم كل الفصائل الرئيسية المتمردة، وبحسب بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية ان الخرطوم ساعدت في الإعلان عن تأسيس اتحاد قوى المقاومة الرامي إلى زعزعة استقرار تشاد بعد اجتماع طويل نظم في الخرطوم، كإنتهاك واضح للإتفاقيات المبرمة بين البلدين»
وشكلت حالة الإتهام والإتهام المضاد على هذه الشاكلة علاقة البلدين طيلة الخمس سنوات الماضية، فقد عقد الرئيسان البشير وديبي غير القليل من اللقاءات التى تعددت وإختلفت أماكنها وإن كانت قضيتها واحدة وهى إصلاح العلاقات السودانية التشادية على ضوء تداعيات أزمة دارفور، وقد وقع الرئيسان ثلاث اتفاقيات في كل من ليبيا ومكة وداكار، لم تفلح جميعها في وقف التدهور بسبب الإتهامات المتبادلة بين البلدين.
ومنذ نشوء أزمة دارفور التى قادت للتوتر بين الخرطوم وإنجمينا، بادر الزعيم الليبي معمر القذافي بإستضافة عدة لقاءات ومؤتمرات وقمم مصغرة في ليبيا لتهدئة التوتر بين أنجمينا والخرطوم وضمان الإستقرار في المنطقة، كما ساهم في إتفاقيات المصالحة الموقعة بين السودان وتشاد، حيث عقدت برعاية الزعيم الليبي معمر القذافي القمة الخماسية فى فبراير 2006م بطرابلس بهدف تهدئة الأوضاع بين الخرطوم وإنجمينا بعد تفجر الأوضاع على حدود البلدين، بسبب نشاط المجموعات المسلحة الخارجة على الدولتين، والتى تؤدى للإتهامات المتبادلة بدعم كل طرف لمعارضة الآخر، وقد أسفرت القمة عن توقيع إتفاق سلام بين البلدين، ونص على «عودة العلاقات بين البلدين، ومنع استخدام أراضيهما في أنشطة هدامة موجهة ضد سيادة أراضي الطرف الآخر ومنع إقامة عناصر متمردة على أراضي الطرفين».
ولم تقف جهود إعادة الود بين الخرطوم وإنجمينا في طرابلس، فقد دخلت المملكة العربية السعودية على الخط عندما إستضافت برعاية العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز قمة بين البشير وديبي اللذين وقعا في الثالث من مايو 2007م على اتفاق المصالحة بين السودان وتشاد لوضع حدٍ للتوتر بين البلدين في العاصمة السعودية الرياض «إتفاق الجنادرية»، وبرغم أن مراقبين أعدوا الإتفاق تتويجاً للمصالحة السودانية التشادية وقتها بعد أن أقر الطرفان على الإلتزام «باحترام سيادة وسلامة اراضي الطرف الآخر وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ومنع استخدام اراضي البلدين لايواء او لحشد او لتدريب او لمرور او لتموين الحركات المسلحة المعارضة للطرف الأخر او تقديم اي نوع من انواع الدعم المادي والمعنوي لهذه الحركات والعمل على إبعادها فورا عن اراضي البلدين».
إلا أن الإتفاق لم يكن تنفيذه بأفضل من سابقه، لتعود العلاقات بعد شهر للتوتر مجدداً بعد المواجهات الحدودية في التاسع من ابريل 2007 بقصف الطيران التشادي لجنود سودانيين في إقليم دارفور بحجة مطاردة عناصر تشادية متمردة، ليفشل الإتفاق في إزالة التوتر بين البلدين، ولم يجد الإتفاق هوىً عند الزعيم الليبي بل سخر مما جاء فيه. لتعاود بعد ذلك الجماهيرية الليبية وزعيمها معمر القذافي جهود تسوية الخلافات التى أسفرت قبل شهر عن تبادل السفراء بين الخرطوم وإنجمينا بعد قطيعة بين البلدين نتيجة هجوم حركة العدل والمساواة على أم درمان، وهو الهجوم الذي اتهمت الخرطوم فيه انجمينا بدعمه، وأدى ليعلن الرئيس عمر البشير في الحادى عشر من مايو الماضي، قطع العلاقات الدبلوماسية مع تشاد، بعد أن حملها مسؤولية الهجوم الذي وقع من قبل متمردي حركة العدالة والمساواة على أم درمان.
وكان الرئيسان البشير وديبي قد وقعا على إتفاق ثالث بينهما أثناء قمة المؤتمر الإسلامي بداكار في منتصف مارس 2008م، التى نجح رئيسها عبد الله واد في جمع الرئيسين اللذين تصافحا وتعهدا بضبط الحدود، وعدم دعم حركات التمرد في بلديهما، بعد مباحثات في داكار استهدفت إحياء سلسلة من الاتفاقيات الثنائية التي فشلت في إنهاء القتال على جانبي الحدود المشتركة بين تشاد والسودان، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون. وهو الإتفاق الذي إنبثقت منه «مجموعة اتصال» من وزراء خارجية (ليبيا الكونغو السنغال الجابون إريتريا ومسئولي منظمات إقليمية) تجتمع كل شهر لضمان تنفيذ الاتفاق الذي عرف باسم اتفاق دكار.
وفي مارس 2008م قررت مجموعة الإتصال المكونة، نشر قوة قوامها 2000 عنصر من الدولتين طرفي النزاع على الحدود المشتركة.
لتفشل في يوليو الماضي محاولة لجمع الرئيسين البشير وديبي، أثناء قمة الإتحاد الإفريقي الأخيرة التى عقدت بالقاهرة، حيث رفض الجانبان إجراء أية قمة بينهما، حيث استبعدت الخرطوم وقتها على لسان الناطق بإسم الخارجية على الصادق، أن تؤدي الوساطات إلى أي تقارب مع تشاد، وقال إن الظرف الحالي للبلاد في ظل توتر العلاقات وراء رفض الرئيس عمر البشير لقاء نظيره التشادي إدريس ديبي على هامش قمة شرم الشيخ، وقال إن تشاد لم تبدِ أي توجه لحسن النيات من قبل ما يجعل السودان يستبعد توصل أية مبادرة لتقريب الشقة بين الخرطوم وانجمينا ويجعل تشاد «غير جديرة بالثقة» لكنه عاد وقال «سننتظر لنرى ماذا ستفعل فرنسا بوصفها دولة ذات تأثير كبير على تشاد».
ومنذ اندلاع أزمة دارفور عام 2003 ظل الاتهام المتبادل يطبع العلاقة بين الخرطوم وإنجمينا، ففي فبراير 2008م، اتهمت تشاد السودان بإيواء متمردين تشاديين على أراضيه ودعمهم لقلب نظام الحكم في إنجمينا، وقد نفى السودان أية صلة له بمحاولة المتمردين التشاديين قلب نظام الرئيس ديبي بالقوة بعد أن إجتاحوا العاصمة انجمينا، وكان السودان قد رفع شكوى ضد تشاد أمام الأمم المتحدة متهما إياها بانتهاك حدوده في ديسمبر 2007م بعد زعمها قصف قواعد لمتمردين تشاديين داخل أراضي السودان، وكان البلدان قد قطعا في 14أبريل 2007م علاقاتهما الدبلوماسية، وقد تمت إعادتها في أغسطس 2007م بعد مواجهات في التاسع من أبريل 2007م بين جيشي البلدين داخل الحدود السودانية، وزعم تشاد أن جيشها كان يطارد المتمردين التشاديين. وفي ديسمبر 2006م اتهمت انجمينا الخرطوم بالوقوف وراء هجوم مسلحين تشاديين على أدري بشرق تشاد، وكانت تشاد قد أغلقت قنصليتها في الجنينة، كما تم إغلاق القنصلية السودانية في أبشي الشادية مطلع أكتوبر 2006م.
خالد البلوله إزيرق :الصحافة [/ALIGN]