خالد حسن كسلا : سلفا كير بين نيران الدينكا والنوير
الآن يحكم دولة الجنوب ويقود جيشها أفراد من مختلف القبائل والجهات لكن كان لا بد أن يدخل طابع الصراع القبلي لخدمة المصالح الشخصية باسم المصطلحات الرنانة مثل الديمقراطية والتنمية والخدمات مع أن الذين يتصارعون الآن قد استلموا جنوب السودان حينما كان أحد أقاليم السودان منذ التاسع من يوليو عام «2005م» فهم يحكمونه منذ أكثر من ثمانية أعوام. منذ ذلك التاريخ رفعت الخرطوم يدها منه فلا الجيش السوداني ولا الشرطة السودانية ولا القضاء السوداني ولا الضرئب والجمارك السودانية ولا المراجع العام السوداني جميعهم قد سحبوا من هناك بعد إدخال اتفاقية نيفاشا موضع التنفيذ. ومنذ ذلك التاريخ كانت عوائد النفط التي استلمتها حكومة الجنوب «المحلية» و«القطرية» بإمكانها تحويل تلك المساحة الخصبة إلى «سويسرا أخرى».. وكان بإمكانها أن تؤسس عليها جيشاً وطنياً لا يرتبط بأجندة سياسية وأيدولوجية كان يمكن الآن أن يحمي مئات الأرواح التي أزهقت بسبب تشكيلة جديدة للحكومة وضعها الرئيس والقائد الأعلى «لجيش الحركة الشعبية». وقبل انسحاب وحدات الجيش السوداني من جنوب السودان عام 2005م كانت كل القبائل هناك محمية به، والآن لماذا لا يحميها الجيش الشعبي؟! أمازال معتنقاً عقيدته الهجومية في الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق ولم يتأهل بعد للعقيدة الدفاعية التي يتعامل بها أي جيش وطني. والهجوم هو سلوك متمردين وخارجين على القانون والعرف الإنساني والقيم الديمقراطية، وكان من المفترض أن يتملص منه الجيش الشعبي ويتهيأ ليكون هو الجيش الوطني المكون من كل القبائل بقانون ولوائح انضباطية ويلتزم فقط بالعقيدة الدفاعية. لأن الهجوم يعني الاعتداء، أما الدفاع فهو الحماية للمواطنين وممتلكاتهم العامة والخاصة. الآن لا جيش وطني هناك يحمي المواطنين ولن تقبل حكومة جوبا بعودة قوات سودانية بشكل مؤقت للعب الدور الذي كانت تلعبه في الماضي تجاه حماية القبائل الجنوبية من التمرد والصراعات القبلية والعائلية، لكن جوبا استقدمت خمسمائة جندي بينهم مائة قوات خاصة من يوغندا، أما المارينز الأمريكي بعددهم القليل جداً وهو خمسة وأربعين جندياً فقد هبطوا هناك لحماية السفارة والمصالح الأمريكية وليس حماية المجموعات القبلية التي تتعرض لرصاص لعبة السياسة القذرة بقيادة مشار أو بإشرافه أو بهالته السياسية والقبلية. ومشار يعلم حجم وفظاعة الثمن الذي سيدفعه الشعب الجنوبي من خلال مساعي انتزاع السلطة من قائد الجيش الشعبي سلفا كير، وحتى بعد انتزاعها فإن هناك قوة مدججة بالسلاح ستتحرك لاسترداد الحكم ليدفع كذلك شعب الجنوب مزيداً من الثمن وتُزهق مزيد من الأرواح ويتحول بلد برك المياه إلى بلد برك الدماء. وإذا كان سلفا كير سيحيلها الآن دماً، فلن يحيلها من سيخلفه بالقوة لبناً. إن أرض المياه بدأت من جديد تمتزج مياهها العذبة الأفقية والعمودية بالدماء. كانت دماء الشماليين فيها من أجل حماية القبائل أما بعد تأسيس الدولة هناك فإن دماء القبائل نفسها تسيل بسبب نزاع حول سلطة قيل إنها منتخبة ديمقراطية عام «2010م». أين هذه الديمقراطية «الأوانطة»؟!. وشعب الجنوب الآن يريد أن ينعم بالأمن والاستقرار ويتناول الطعام ويستشفي ويتعلم ولا حاجة له في هذه المرحلة إلى ديمقراطية مشار وباقان الكذوب فهل يريد هذان الرجلان ومن وراءهما تحويل الجنوب إلى صومال أخرى مقابل هدايا من واشنطن وتل أبيب ؟!
صحيفة الإنتباهة
ع.ش