رأي ومقالات

حرب منسية .. شجاعة وانتهازية .. موسى هلال والفاشر .. فيروز وحسن نصر الله

[JUSTIFY]حتى اللحظة يبدو أن الجميع إقليمياً ودولياً قد صعقتهم المفاجأة لتداعيات الأحداث في دولة جنوب السودان، ونذر الحرب الأهلية تقرع الأبواب من جديد بصورة أعنف وأشمل هذه المرة.. والغريب أن توالي وتلاحق الأحداث يجري بسرعة مذهلة كأنها ستنتهي نهايات غير منظورة ولا متوقعة.

وكنا نظن أن الآيديولوجيين المتطرفين من أولاد قرنق قد سقطوا في براثن الواقعية السياسية التي تمتع بها خصمهم سلفا كير الذي عرف كيف يعالج معضلات حكمه بالضربة القاضية، وهذا مسار دائري تكراري لحركة التاريخ، عندما يقف شركاء أي حكم بين خياري الواقع والخيال.

فقد كانت مجموعة أولاد قرنق تراهن على أن تطبيقات رؤية جون قرنق للسودان الجديد الذي يضم دولة الجنوب الحالية والسودان، ستكون هي المحطة الأخيرة لنضالهم السياسي، فقد أخذوا الجنوب معهم بوصفه مرحلة وسيتبعه السودان كله عندما تبتلعه ثورتهم التي كانوا يحلمون بها، لكن سرعان ما انغمسوا في المطامع الذاتية وصراعات النفوذ والتحكم في الدولة الوليدة التي لم تزل خديجاً بين أيديهم، محاطة بعناية مكثفة من قوى دولية وإقليمية تريد استخدام هذه الدولة وتوظيفها في مجالها الإقليمي لخدمة مصالح إستراتيجية كبرى.

لقد اختلطت عوامل وعناصر كثيرة في كيمياء الحرب الجنوبية الحالية بوطيسها الحامي، فالقبيلة حاضرة بقوة لا فكاك منها، وانسداد الأفق موجود، وحيرة دولية وإقليمية لا حد لها، وفوق ذلك تحاول القوى الدولية التي كانت قريبة وراعية للحركة الشعبية الهروب من ألسنة النار والحريق المشتعلة الأوار.. في أكبر عملية تجاهل وتخلٍ عن دولة الجنوب التي سعوا لإقامتها وحمايتها بأي ثمن وتكلفة.

وستكون الأوضاع في الجنوب حتى ولو تفاقمت وأنجبت حروباً داخلية أخرى، هي أوضاع لحرب منسية، مثلها مثل كل الحروب الداخلية الإفريقية، لأنه لا توجد أية مهددات لمصالح غربية خاصة المصالح الأمريكية، فالبترول الجنوبي بين فكي التنين الأصفر الصين، ولا مصلحة لأمريكا وصويحابتها إن توقف أو تدفق، ولا توجد في الصراع الجنوبي أية أطراف إسلامية أو إرهابية تقض المضجع الأمريكي الدفيء، فستترك هذه الحرب كما هي، تأكل النار بعضها، وتتطاحن طواحين الهواء الجنوبي كما تشاء حتى يتم رسم ملامح جديدة في وقت لاحق للمنطقة برمتها.

والسودان هو المتأثر الأكبر بتطورات هذه الحرب، وربما يكون خاسراً في حال توسعت وأصبحت مواجهات بين قبائل الجنوب التي ترتبط بالسودان ارتباطاً وثيقاً وقوياً مثلما يرتبط مشروع البترول السوداني بالبترول الجنوبي.. فواطئ جمرة الحرب الجنوبية هو السودان، وعلى حكومته أن تجد وسيلة لتقليل خسائرها عليه وعلى شعب الجنوب نفسه، وربما يكون السودان مقبولاً وسيطاً بين سلفا كير ومشار.. أو بين النوير والدينكا، وبإمكانه تجنيبهم فوهة الجحيم التي انفتحت!!

المعارضة.. الانتهازية السياسية
امتدحت أحزاب المعارضة ما سمته مواقف شجاعة للأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية وحديثه عن القصور الذي لازم الإنقاذ منذ اندلاعها، ووصفته بأنه تصحيح لمسار الإنقاذ والاعتراف بالأخطاء!!
محاولة تجيير حديث علي عثمان لصالح طموحاتها، بهذه الكيفية واقتطاعه من سياق التطورات السياسية التي شهدتها البلاد أخيراً وعملية الإحلال والإبدال في تركيبة الحكم، هي في الأساس انتهازية لا قيمة لها، تكشف أن أحزاب المعارضة بعيدة عن فهم ما تم من تحولات، ومازالت في ضلالها القديم تتصور أن ما جرى في الصف الإنقاذي عملية ضرب تحت الحزام وإبعاد للقيادات المنصرفة عن تولي الوظيفة العامة في الدولة.. وتحاول في ذات الوقت أن تشير إلى أن علي عثمان يمثل نوعاً من التطهر عن أخطاء الإنقاذ وكأنه جلس على كرسي الاعتراف مقراً بما حدث، وكأنه بابتعاده يجلس بعيداً مجسداً صورة من آلام المسيح.

جولة موسى هلال
تتحدث مجالس الخرطوم ودارفور ووسائل الإعلام والصحف، عن الجولة الطويلة التي قام بها الشيخ موسى هلال خلال الأيام الفائتة في ولايات دارفور من شمالها لجنوبها لشرقها ووسطها وغربها، وعن محاولته زيارة الفاشر، وكيف سخُنت الخطوط والمشاورات بين الخرطوم وعاصمة شمال دارفور لوقف الزيارة أو تأجيلها خشية حدوث ما لا يحمد عقباه.. وتجاهل هلال الفاشر ليزور السريف بني حسين ليطوي أكبر نزاع أهلي حدث في المنطقة حول جبل عامر، وكان البعض يظن أن ذلك شبه مستحيل
في الوقت الراهن.

زيارة هلال وجولته بوصفه زعيماً أهلياً يرافقه عدد من القيادات الأهلية من شتى قبائل دارفور من أجل الصلح الأهلي وتضميد الجراح، هي تقليد قديم للنظار والشيوخ والسلاطين والملوك وكل زعماء القبائل في دارفور، وليس فيها جديد، وهل في ظروف دارفور الحالية يعد أمراً مستحسناً أم مستقبحاً عندما يقوم زعيم مثل موسى هلال بكل هذه الجولات الواسعة التي تشيع الأمن والاستقرار وتعزز ثقة المواطن البسيط بجدوى التواصل والتكاتف والتراحم بين كل ربوع دارفور؟!
ماذا لو انتهجت كل قيادات دارفور السياسية والأهلية هذا النهج وتجمعت مع بعضها وطافت على أرجاء ولايات دارفور المختلفة وصنعت السلام الحقيقي؟ لماذا تقبع القيادات في الخرطوم وحواضر الولايات ويستعصم الدستوريون منهم بمواقعهم التي تعصمهم من طوفان الخلافات على الأرض؟

فيروز وحسن نصر الله
على هامش السياسة تابعنا باستمتاع لا حد له، ظلال وآثار وأبعاد وذيول ما قاله زياد الرحباني عن أن والدته السيدة فيروز، المغنية التي توصف بأنها أرزة لبنان الخالدة، معجبة بالسيد حسن نصر الله وتحبه بوصفه زعيماً سياسياً لبنانياً، وجاء هذا الحديث في وقت دقيق يمر به لبنان والمنطقة، ففيروز المسيحية ظلت كما هو معروف تغني فقط للوطن والحرية والحب والسلام والتراب، لا تعرف حدود الجغرافيا ولا فواصل العقيدة ولا المواقف.

وانقسم الناس في الصحافة ووسائل الإعلام وفي المواقع الالكترونية حول الكشف عن أول موقف ذي ظل سياسي للسيدة فيروز، وهو غير ذي مغزى ولا يمكن تحميله أكثر مما يحتمل، فعاطفة وشحنات فيروز المعنوية التي عاش عليها الوطن العربي ستين عاماً وهو عمرها الفني وتبلغ من العمر حالياً «79 سنة»، لا يعيبها أن يكون لها موقف معين تجاه السيد حسن نصر الله الذي يحبه لبنانيون كثر من غير طائفته ومن مسيحيي هذا البلد الجميل.. ومن حق فيروز أن يكون لها موقف ومشاعر وإحساس بقضايا بلدها وقادتها مهما كانت المسافات وأين تقف الأقدام.
ومن أراد أن يجد مؤانسة وامتاعاً فليتابع الحوارات التي لم تنتهِ بعد حول هذا الموضوع.

صحيفة الإنتباهة
الصادق الرزيقي
ع.ش[/JUSTIFY]