رأي ومقالات

حكومات ما بعد الاستقلال


[JUSTIFY]بعد أن خرج الاستعمار البريطاني عن بلادنا نهاراً جهاراً بدأت مراحل الاستعمار الوطني عبر الانقلابات العسكرية ليلاً وفي جنح الظلام بدعم وتخطيط من نفس الأحزاب التي ساهمت في صناعة ذلك الاستقلال المجيد، فأنا أفهم في أن يكون المستعمر أجنبياً وليس من ملتنا، ولكنني لا أفهم أن يكون المستعمر الجديد سودانياً كان قد شارك في طرد الإنجليز من بلادنا.. فبعد أن أعلن الرئيس الجليل إسماعيل الأزهري استقلال السودان من داخل قبة البرلمان دون حلف مع بريطانيا يريده حزب الأمة ودون وحدة مع مصر كانت حلمه وحلم حزبه الوطني الاتحادي، واختار سيادته طريقاً ثالثاً يجنب البلاد الفتنة والحروب الداخلية والانقسام ليعلن لكل العالم عن استقلال السودان دون الدخول في أحلاف حفاظاً على الوحدة الوطنية وتراب الأرض من التقسيم الإثني والجهوي..

وقال يومها مخاطباً كل الشعب السوداني «إنني قد أتيت لكم باستقلال كامل كالصحن الصيني لا فيه شق ولا طق» بمعنى أنه دون ارتباط بأي حلف في العالم، ولكن سرعان ما اشتدت الصراعات ما بين الأحزاب الوطنية العريقة وبدأت المؤامرات تحاك ضد الأزهري، إلى أن قام حزب الأمة بتسليم السلطة للفريق إبراهيم عبود قائد الجيش في 17/11/1958 ليسدل الستار عن أول ديموقراطية بعد الاستقلال والتي عادت مرة أخرى بعد ثورة أكتوبر 1964 لتسقط مرة ثانية عبر الانقلاب المايوي الذي خطط له ونفذه الحزب الشيوعي السوداني بالتحالف مع القوات المسلحة، وبقيادة العقيد في ذلك الوقت جعفر نميري الذي سقط نظام حكمه بثورة شعبية في أبريل عام 1985م، ليأتي الصادق المهدي مرة أخرى رئيساً للوزراء في أضعف نظام حكم ديموقراطي في العالم عجز عن البقاء والاستمرار، وفشل في تأمين البلاد من خطر الانقلابات إلى أن استولت الجبهة القومية الإسلامية بقيادة الدكتور حسن الترابي على مقاليد الحكم بسهولة ويسر عبر ذراعها العسكري في القوات المسلحة، الذي قضى على الديموقراطية الثالثة، وحكم المهدي في 30 يونيو 1989 لتبدأ مسيرة الإنقاذ الطويلة إلى ما انتهت إليه اليوم بالدعوة للحوار والوفاق الوطني الذي تأخر كثيراً، ومنذ أن نال السودان استقلاله ظللنا في حاجة ماسة للأجماع والحكم الانتقالي الذي تشارك فيه كل القوى السياسية دون استثناء لأحد بعد أن صارت هناك حركات مسلحة في دارفور، والنيل الأزرق، وجبال النوبة، مما يجعل طريق استعادة الاستقلال يسير في اتجاه واحد لا بديل له وهو الأجماع الوطني والحوار الشفاف للتوافق حول الدستور القادم، والاتفاق في الكيفية التي يحكم بها السودان بصرف النظر عن من يحكمه، فقد مللنا تلك الزينات ومكبرات الصوت والخطب الرنانة والأناشيد القديمة التي تجافي الواقع في يوم الاستقلال، فلننطلق بشجاعة وتجرد نحو الوفاق لأن في ذلك تتحقق كل الثوابت والقيم وذلك الاستقرار السياسي الذي ننشده.

صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]