رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : «مشار» في الميزان .. جرد سياسي


[JUSTIFY]لا يمكن بالطبع أن تكون حالة دولة جنوب السودان مماثلة لحالة سوريا التي تصبر عليها واشنطن حتى تجريدها بالكامل من أسلحة الدمار الشامل ضماناً لمعركة قادمة غير متكافئة لتنتهي بإطاحة نظام البعث ذي الأيدولوجية القائمة على تسويق الكراهية ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك لا يمكن أن يكون كما كانت ليبيا التي أحرج رئيسها السابق القذافي المجتمع الدولي بسلوكياته السياسية القبيحة جداً خارجياً والمنتهكة لحقوق الإنسان داخلياً. ولا يمكن أن يكون أيضاً مثل مصر في أيام مبارك الأخيرة؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين هناك استطاعت أن تدير ميدانياً ثورة 25 يناير بحنكة سياسية لا سبيل بدونها لتغيير النظام في دولة إفريقية وعربية عظيمة بجيشها ومكانتها الإقليمية مثل مصر، فمصر لا توجد فيها قبلية ولم تظهر في حركة تظاهرات 25 يناير ملامح طائفية أو حزبية ضيقة، وهذا يصعب جداً في الساحة «الجنوبية».

إذن هي حالة فريدة إذا ما قورنت مع حالات الربيع العربي. وأكثر من ذلك فإن تلك الدول «الربيعية» لم تقف إلى جانب حكوماتها إسرائيل التي تملك الذراع السياسي الطويل بصورة واضحة كما يمكن أن يحدث في جوبا. وكل هذا يعني أن مقاومة الحكومة هناك في هذه المرحلة سواء من منشقين من الجيش الشعبي أو مليشيات مستغلة أصلاً أو من مواطنين غاضبين أرادوا التظاهر والاعتصامات، لن تجدي فتيلاً.

أضف إلى ذلك عدم جدوى الشروط التي طرحها رمز التمرد على حكومة جوبا الدكتور رياك مشار للجلوس للتفاوض مع سلفا كير والتي أراد أن يسبقه بتنصيب حاكم على ولاية الوحدة. فكل هذا ليس إلا فورة ستخمدها المواقف الأمريكية لاحقاً سواء كانت معلنة أو غير معلنة، ففي نهاية المطاف سيوزن الوضع الجديد في جنوب السودان بميزان السياسة الخارجية الأمريكية. هذا إذا لم تكن أصلاً هناك اتصالات سابقة لاندلاع التمرد بين مشار وجهات أجنبية ذات صلة بواشنطن أو تل أبيب. فدولة جنوب السودان تبقى تحت الوصاية الأمريكية والذراع السياسية الإسرائيلية الطويلة.

وإذا كان وجود سلفا كير في الحكم يمكن أن يؤثر سلباً على الأهداف السياسية الأجنبية يمكن أن يُملي عليه ليعود إلى الطريق المرسوم.

وتقول شروط مشار أن يكون الحوار مع حكومة كير في أديس أبابا تحت مظلة الاتحاد الإفريقي ويسبقه إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والعسكريين وأن يذهب سلفا كير للتفاوض ليس بوصفه رئيساً للجمهورية. لكن ما هي قيمة مشار حتى يضع مثل هذه الشروط القاسية؟! هل تريده واشنطن أن يكون في موقف تفاوضي قوي؟! هل تفضله واشنطن على سلفا كير؟! هل تعتبر واشنطن أن لا ميزة لأحدهما على الآخر لكي تدعم صاحب الميزة؟! أم أنها تريدهم يتصارعون ويتنافسون في كسب رضائها وتسليم مفاتيح مستقبل البلاد لإسرائيل؟! يمكن أن تكون ميزة مشار في نظر واشنطن هي إنه قام بحرب من شأنها تعطيل إنتاج النفط ورفع الشركات الشرقية المستثمرة فيه يدها منه بعد أن تيأس من معالجة الأوضاع الأمنية، ثم بعد ذلك تأتي واشنطن لترث الاستثمار عبر شركاتها العملاقة وربما كانت معها شركة إسرائيلية تريد الاستثمار في بلد استعد لاستقبال التطبيع مع اليهود بحرارة تفوق بها على الدول التي سبقته على استضافة التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي. الولايات المتحدة الأمريكية عبر خطط سياستها الخارجية لا يمكن أن تكون «فاعل خير» يقوم بتسوية النزاعات لصالح أمن واستقرار رفاهية الشعوب.

الأمر الثاني أن المعلن هو أن سلفا كير رئيس حكومة منتخب ولا ينبغي تجريده من صفته الدستورية ليتحاور حول تشكيلة حكومة جديدة تُلغى على إثرها الحكومة الديمقراطية. ويذكرنا هذا الشرط بالشرط الذي كان قد أصر عليه جون قرنق للقاء رئيس الوزراء المنتخب عام 1986م السيد الصادق المهدي. أما الإفراج عن المعتقلين فهذا إما أن يكون ضمن أجندة الحوار وإما ألا يتدخل فيه مشار إذا أراد الاستمرار في التمرد على الحكم الذي طالما آمن بديمقراطيته.

إن مشار افتضح أمره فهو يؤمن فقط بمصلحته الشخصية التي استخدم لها قبل نيفاشا الالتحاق بالتمرد تحت قيادة قرنق ثم استخدم لها خطة التجاوب مع نداء السلام فعاد إلى الخرطوم ووقع اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997م بعد حروب انشق بها عن الحركة الشعبية بقيادة قرنق وسلفا كير، ثم عاد إلى التمرد من أجل مصلحته الشخصية وقيل إن القادة العسكريين أصروا على إعدامه لكن منعهم قرنق. ثم ها هو يتمرّد بعد أن انتهج نهجاً كان كفيلاً بأبعاده من الرئاسة. فهذا هو مشار والسؤال هنا: أين مواطن «الجنوب» سابقاً ولاحقاً وحالياً من اهتمامه.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]