مقالات متنوعة

ما مشحودين

ما مشحودين
لازمت قريبتى أختها لمدة شهرين أو أكثر فى أحد مستشفيات دولة عربية، وحتى وفاتها، لها الرحمة والمغفرة، وقالت إن موقفها هذا أثار الدهشة والإعجاب من أطباء ذلك المستشفى والممرضات وبعضهم غير عرب، وأخبروها أن المرضى عندما يطول مرضهم، وييأس أهلهم، يتركونهم لمرافقين مستأجرين، وكثيرًا ما تقوم المرافقة تلك بالاتصال بأهل المرضى عند الوفاة، أخبرتهم قريبتى ببساطة أن السودانيين رقيقى القلب ولا يقنعون من زولهم المريض، ليس قلة إيمان بالقضاء والقدر وأن لكل أجل كتابًا، بل للتخفيف على المريض وإظهار حبهم ومؤازرتهم له لآخر لحظة، وأن هذا الشيء يفعله أي سوداني، ليس مع قريبه فقط بل مع الصديق والجار وحتى مع شخص لا يعرفه، ولقد قرأت قبل أيام خبر ذلك الرجل المريض الذى لاحظ ملازمة وخدمة شاب لمريض لا يعرفه بل جمعته معه الجيرة فى العنبر، فأعجب الرجل بالشاب وعرض عليه تزويجه من ابنته وقد كان.
قريب من هذا الموقف إعجاب ثلة من الرجال «الرايحين» بشاب صغير فتح لهم الباب، وقبل أن يدلهم على مقصدهم لاحظ التعب والغبرة التى علت وجوههم فأدخلهم حيث صلوا صلاة الظهر وطلب من والدته تجهيز الغداء، بعدها أيقظ والده للسلام عليهم، أعجب الرجال من تصرف الشاب وكانوا بالفعل على سفر، وتسابقوا على أن يزوجوه إحدى بناتهم ـ «وطالب يدها ليه يا ابنى … ما تاخدها كلها ! »ـ ، غير أن والده اعتذر لهم بأن ابنه لا يزال طالبًا فى المرحلة الثانوية، وبالطبع قمة الصدق فى الإعجاب أن تزوج لابنتك أو لابنك، فلذة كبدك، بهذه الطريقة..
ما مشحودين، وبسيطة، ولا شكر على واجب، كلمات معبرة يلقين بها فى وجوه بعضهن مخففات جهدهن المهول الذى بذلنه حتى تخرج مناسبة الفرح أو العزاء كما يجب، وتهمس الأم بصوت خفيض لأبنتها :ـ أرجعى مع أبوكى، وبكره جهزي إخوانك للمدرسة، أنا مبيتة هنا، شايفاهم محتاجين لي.
ومازالت الأمهات والحبوبات يحثثن بناتهن على المشاركة وبذل المساعدة لمن يحتاجها، ومد يد العون، رغم وجود عاملات تستعين بهن صاحبة المناسبة، الا أن مساعدة الجيران والصديقات والقريبات لها طعم مختلف، ويجب أن تختفى مقولة «المعاملة بالمثل» فهذه وغيرها من الأقوال والأمثال السالبة تتسبب فى أن يقل الخير بين الناس.
بالطبع يتفوق الأهالى فى القرى والأرياف على أهل المدن بسبب انشغالهم، الا والله دايرين الجد، نحن فى المدينة شاغلين روحنا ساي بالفارغة.
لذلك يجب أن نعلم أبناءنا «المافاضين فى زول ديل» المشاركة، على الأب أن «يتحرك شوية» ويغرس فى ابنه منذ صغره حب الغير ومشاركتهم وخدمتهم والأم كذلك تزن على بناتها «الغازات سماعاتن ديل»، طبعًا يسهل الموضوع كثيرًا حينما تكون أنت قدوة لهم.. من الأهمية التمسك بشدة بهذه العادات حتى تكون ماركة سودانية مسجلة.

فاطمة محجوب كرار