قمة الإيقاد.. مقاييس الرئيس القادم.. طعن المتقاعدين.. وزيارة دبي !
هل تستطيع ما قررته القمة الطارئة لمنظمة الإيقاد التي تداعت للالتئام بالعاصمة الكينية نيروبي، معالجة الأزمة الطاحنة في دولة جنوب السودان؟
وهل ما أقدم عليه رئيس الدولة سلفا كير تحت ضغوط دولية كثيفة، بإطلاق سراح عدد من المعتقلين وبينهم قيادات بارزة في الحركة الشعبية كانوا متهمين بالتورط مع رياك مشار في الانقلاب الذي كشف عنه، سيقود ذلك إلى وضع أرجل هذه الدولة الوليدة على درب الأمن والاستقرار والسلام من جديد؟
رؤساء الإيقاد خاصة دول جوار دولة الجنوب، السودان وكينيا وإثيوبيا وأوغندا، يهمهم الإسراع بوقف الحرب بأعجل ما تيسر نظراً للمخاطر والمترتبات الضخمة على هذه الدول في حال تفاقم الحرب واتساع نطاقها وتكاثف وتكاثر أعداد اللجوء وامتدادات الحرب، فزيارة الرئيس الكيني رئيس الوزراء الإثيوبي لجوبا عقب زيارات لمبعوثين دوليين من بينهم المبعوث الأمريكي دونالد بوث، والتي أفضت لإطلاق سراح المعتقلين تهدف لإيجاد مخرج من الفوضى التي تنتظر دولة الجنوب في حال تواصلت الحرب..
السودان يعمل بفعالية من خلال الإيقاد وهو من أكثر دول المنطقة بل العالم كله والأكثر تأهيلاً للعب دور وسيط بين الفرقاء الجنوبيين وهذا ما أكده لقاء القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم لدى لقائه بالخارجية كما قال ناطقها الرسمي السفير أبوبكر الصديق..
الجميع الآن في انتظار ما ستخرج به قمة الإيقاد الطارئة التي قد تجد الإطار الموضوعي للحل، لكن من المبكر جداً قبول فكرة أن أطراف الأزمة وبعد سفر المعتقلين الجنوبيين إلى أديس أبابا والوضع الذي عليه رياك مشار الآن، يمكن إنهاء الأزمة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، هناك أثمان باهظة ستُدفع في أي تسوية تتم.. ولا يُعرف من الخاسر ومن الرابح ومن الذي سيضحك أخيراً!
المواصفات والمقاييس..
حديث السيد رئيس الجمهورية بالقضارف في مؤتمر الولاية للمؤتمر الوطني أول من أمس، عن الانتخابات القادمة مطلع «2015م»، حديث مبشر وجيد باعتبار أنه لا مجال لتمديد أو تأجيل الانتخابات الرئاسية وعلى كل من يريد التنافس في حلبة السياسة أن يستعد من الآن..
لكن المهم في حديث الرئيس أن مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية سيعلن عن مواصفاته قريباً.. وسيكون مرشحًا واحدًا يقف خلفه الجميع… وحتى يعلن المؤتمر الوطني عن هذه المواصفات والمقايسس نرجو من جميع الإخوة الصحافيين والكتاب ومن مجالس المدينة التوقف الفوري عن التكهنات والتخمينات والترجيحات حتى يستبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود!
التعامل بالقانون.. جاء في الأخبار أن المحكمة الدستورية قبلت طعناً قدمه عددٌ من ضباط الجيش والشرطة وعددهم عشرة ضباط تمت إحالتهم للتقاعد، وطعنوا في قرار الإحالة بموجب المادة «24/8 » من قانون القوات المسلحة والمادة «25/30 » من قانون الشرطة، ورأى هؤلاء الضباط المحالون للتقاعد من عدة شهور أن ما تم بشأنهم مخالف للدستور وحقوق العمل والإنسان والكسب الكريم، وأنهم لم يصلوا للسن المعاشية «60 عامًا»..وليت المحكمة تحكم لصالح هؤلاء الضباط إن كانت إحالتهم تمت بطريقة مخالفة للقانون ولا علاقة لها بتقارير الأداء أو مطاعن وأسباب أخرى تستوجب الإحالة للتقاعد.. وكثير من السودانيين في القوات النظامية والخدمة المدنية يقنطون من طول التقاضي والبحث عن الحقوق، فكثيرٌ من المظلومين رضوا بالمقسوم في تاريخ الدولة السودانية وأنظمة الحكم المتعاقبة.. لو ارتضى الناس القانون طريقًا لنيل الحقوق لشعر الجميع بالرضى وقل الغل في النفوس..
ما وراء زيارة ديبي للخرطوم؟ زيارة الرئيس التشادي إدريس دبي للخرطوم.. في كل الأحوال، ليس الظاهر منها ما هو كامن في لبابها وجوهرها، فالقضية اليوم بالنسبة لتشاد والسودان وتثير قلقهما معاً، ليس مجرد تفويض الرئيس البشير للرئيس دبي بالاتصال بحركات دارفور المتمردة وإلحاقها بقطار السلام المنطلق من محطة الدوحة ووثيقتها النهائية التي عالجت جذور القضية..فالوضع في إفريقيا الوسطى الذي استقطب اهتماماً دولياً لا سابق له في منطقة الوسط الإفريقي وفي المناطق التي ظلت تعيش على هامش السياسة الدولية وتحت ظل مطر التعاطي العالمي، خرجت فجأة للعلن وألقت بحمم هائلة من المسكوت عنه، جعلت كلاً من الخرطوم وإنجمينا الجارتين لبانغي تستشعران هول هذه التعقيدات والتداعيات السريعة التي تنذر باشنطار دولة على أساس ديني جزء مسلم والآخر مسيحي..
وظلت تشاد خلال العشرين سنة الماضية لاعباً مهماً في ملعب إفريقيا الوسطى، فإنجمينا هي التي ساعدت الرئيس السابق الجنرال فرانسوا بوزيزي في الإطاحة بسلفه باتاسيه، وظلت القوات التشادية ماكثة في بانغي وفي تخوم البلدين لسنوات طويلة حتى تقدم حركة سيليكا نحو العاصمة ليتولى أول رئيس مسلم قيادة هذا البلد، ولم يهنأ القائد الجديد لإمبراطورية بوكاسا السابقة إلا شهورًا معدودة حتى وجد نفسه في تلاطم أحداث جارفة هي ما تعيشه إفريقيا الوسطى اليوم، يتآزر المشهد الدامي فيها بوجود قوات فرنسية جاءت في إطار تعزيز ما يقال إن باريس صارت هي شرطي أوروبي في إفريقيا بارتفاق المشهد المالي، حيث تورطت باريس هناك فضلاً عن عملية المداهمة السابقة لرئيس ساحل غابغو الذي اقتيد من غرفة نومه بواسطة القوات الخاصة الفرنسية ليعاقب على جريرة العنت ومعارضة السيسة الفرنسية في بلده وتدخلاتها في الشؤون الإفريقية وتضييقه على الشركات الفرنسية التي لم تُبق قطرة دم في العروق السمراء..
تنظر إنجمينا والخرطوم بقلق بالغ لما يجري في جارتهما إفريقيا الوسطى، وهي مرشحة لتكون ساحة للفوضى السياسية والعسكرية وانتشار السلاح وتدخلات المجموعات المسلحة ويمكن أن تستقطب المعارضات المتمردة في الدولتين ودول أخرى..
بالنسبة لإنجمينا فإن إفريقيا الوسطى تجاور البطن الرخو لتشاد وقريبة من عمقها ومن أعماق المناطق التي تنتمي لها الحركات المعارضة التشادية، وهذه الأخيرة قد تجد من الوضع الماثل في شمال وغرب إفريقيا الوسطى فرصة للوجود والتأهب للانقضاض على المناطق الشرقية والجنوبية لتشاد ما يسبب قلقاً للرئيس ديبي، وتكون في كل الأحوال قريبة من مناطق النفط في جنوب تشاد..
وبالنسبة للسودان فقد وجدت بالفعل عددٌ من حركات دارفور خاصة حركة مني أركو مناوي خلال الفترات الماضية الأراضي الشمالية الشرقية من إفريقيا الوسطى مجالاً حيوياً لتنقلاتها وتحركاتها وهاجمت منها مدينة أم دافوق وبعض البلدات والقرى الصغيرة، وعلى حدود ثلاثية بين السودان وإفريقيا الوسطى ودولة الجنوب كانت توجد معسكرات لحركة العدل والمساواة وحركة مني أركو مناوي في منطقة غير مأهولة بالسكان لكنها سهلة الحركة تجاه دافور.. ولذلك عدم وجود سلطة مركزية قوية في بانغي تفرض سيطرتها على كامل تراب إفريقيا الوسطى واستقرار يقلل من فرص تنامي الفوضى، هو أيضاً يسبب قلقًا بالغًا للخرطوم على السواء مع إنجمينا..
في كلتا الحالتين… تبدو زيارة الرئيس التشادي للخرطوم ومباحثاته في الخرطوم، مركزة بالكامل على ما يجري في إفريقيا الوسطى أكثر من كون أعين العاصمتين مثبتة على المشهد الدارفوري ومؤتمر أم جرس، فحتى اللقاء مع فعاليات دارفور وقياداتها بقاعة الصداقة أمس الأول وخاطبه الرئيس التشادي يمكن اعتباره خلفية الصورة أو الموسيقى التصويرية لحقيقة ما تم بحثه وتناوله في هذه الزيارة..
ونظراً لتجربة سابقة مرت بها كل من العاصمتين، بنشوء وانفجار اضطرابات في جار مشترك لهما، كما حدث في ليبيا، فقد عانت الدولتان من تسرب السلاح ودخول مقاتلين مرتزقة من عدة دول إفريقية مع حفيف الأوراق النقدية للقذافي، فإن ما يجري في إفريقيا الوسطى الدولة الفقيرة التي تحضن في باطن أرضها أغلى المعادن في العالم «الماس، والذهب، واليورانيوم» يستقطب مجموعات مسلحة مختلفة وجيوشًا لقوى كبرى وسلاحًا لا حد له سيكون طامّة كبرى في المنطقة خاصة أن شبح الحرب الدينية يخيِّم على هذا البلد وسيكون له امتدادات أخرى في إفريقيا جنوب الصحراء..
على كلٍّ.. زيارة الرئيس ديبي للسودان تم التفكير فيها بعمق لبدء تنسيق سياسي وأمني واتخاذ تدابير مشتركة نابعة من إحساس مشترك بحجم التحولات الجيوستراتيجة التي دهمت المنطقة…
صحيفة الإنتباهة
الصادق الرزيقي