مقالات متنوعة

‫الحياة جميلة


‫‫الحياة جميلة
الحياة جميلة والسودان جميل … هكذا يقول صديقي العزيز إبراهيم .. وبما إنكم لا تعرفون من هو إبراهيم فدعوني أخبركم إنه يقصد حرفيا أنه ليست هناك ذرة جمال في السودان وهو يقولها كنوع من تمزيق الذات لا أكثر … نعم الحياة جميلة والس
اعة الآن الثانية ظهرا وأنا عائد من أم درمان في حافلة مزدحمة وجسدي محشور في مقعد الوسط بين رجل يقرأ صحيفة رياضية يفردها بكامل صفحتيها حتى ينحشر طرفها بين نظارتي وعيني ، وبين إمرأة تحمل ثلاثة أطفال في مقعد واحد ، أحدهم في حجرها وواحد في حجري أنا والثالث لا أرى منه غير رجليه ويبدو والله أعلم أنها تحمله في حقيبتها … ولأن الحياة جميلة كان لابد للجو أن يكون مثلها ، وتكون درجة الحرارة من النوع الذي يذيب الأسمنت ، وتكون الزحمة في أوجها ويقطع البنزين من الحافلة في منتصف الزحمة وننزل من الحافلة لنركب أخرى ، يوقفها عسكري المرور لأن السائق التعيس نسى حزام الأمان فيدفع إيصالا جعله يسب طيلة ما تبقى من مسافة … نعم الحياة جميلة يا إبراهيم ولو كنت معي الآن لقفزت من نافذة الحافلة إلى النيل من شدة السعادة …الزحام مرة أخرى أمام الكوبري .. أنظر من النافذة لأرى إعلانا ضوئيا كبيرا يمثل العبقري الراحل ( الطيب صالح ) وفي عينيه نظرة متعبة مكتئبة ، نظرة إنسان مات ولم يجد جوابا لسؤاله الأبدي : من أين جاء هؤلاء ؟ … الكمساري يتشاجر مع أم الأطفال الثلاثة ، والسائق لا يزال يسب ولا أحد يجرؤ على ممارسة النهي عن المنكر باللسان حتى لا يفقد هذا اللسان للأبد … الطفل الذي في حجري نام بمنتهى البراءة وراحة البال ورحت أتأمله حسدا على ما يتمتع به من سلام نفسي ..لهذا أحب الأطفال … لحظة من فضلكم لأن هناك سائلا دافئا تسرب لبنطلوني … اللعنة لقد فعلها الكلب الصغير وأنا الذي كنت أمدح براءته .. لهذا أكره الأطفال … قلت لكم أن الحياة جميلة والحافلة تدخل للموقف الجديد بمعجزة وسط شلال السيارات … وقبل أن تنزل يصدم أذنيك صوت واحد يتكرر بلا رحمة في كل أنحاء الموقف .. يلا يا ماشي تعال غاشي ويا غريب قرب قريب … يلا يا سيد يا جيد البرتقال بألف العرديب بألف ألخ ألخ …الحياة جميلة وأنا أبحث في جيوبي… عم تبحث ؟ يا له من سؤال … حبوب الضغط طبعا

الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير