تحقيقات وتقارير

عام جديد وواقع قديم.. أحلام شبابيّة تروم إرهاص الخير

[JUSTIFY]قبل ساعات من دخول العام الجديد أو قبل لحظات من تبادل صيغ الأمنيات بين مجمل المتفرّجين على لحظة التكريم، كان رئيس الجمهورية يضع وشاح الجمهورية على صدر السيّد الإمام الصادق المهدي.. حينها كانت العبارات على الشفاه بأن يأتي يوم باكر بخيره.. الكلّ يتبادل النص “كل سنة وانت طيب والقابلة علي أمنياتك المحققة”.. العبارة بدت وكأنها اجترار لمشاهدة العادة دون أن يتحقق على أرض الواقع في بلاد الأماني والأحلام الموءودة في لحظتها؛ ثمة أمنيات لا تتحقّق هنا..

ربما كان هذا هو المشهد الأكثر حضوراً في ردة فعل ما بعد التهنئة.. حالة من عمومية الإحباط تسيطر على الكلّ، ربما تجد لها مبرراً، وفي كثير من الأحوال تأتي معبرة عن إحساس عام تشهده البلاد.

رابع أيام العام الجديد، وأربعة أيام على ذكرى الاستقلال المجيد، ينهض علي، في صباحه الباكر.. الشاب الذي مضت من تخرجه ست سنوات، كان يتوسّم خيراً نهاية كل عام في الذي هو آت.. يترنّم في صباحه الباكر “يا بلاد النور”، يرافقه “ارهاص الخير”.. إبّان خروجه صبيحة اليوم الأول للعام الجديد اصطدم علي بأزمة خانقة في المواصلات، أعقبت تناوله لوجبة عدس في بيت العزّابة، ما جعله يضع نهاية لسلسلة أحلامه بقادم أفضل.. قال إنّه ترك الأحلام كلها، خلا حلما أوحد مازال يستمسك به؛ مغادرة البلاد إلى سواها، تاركاً قلبه في دار الأجداد.

مشهد علي قد يتكرر في اتجاهات أخرى، وبذات السيناريوهات، التي تخاف ما يمكن أن يأتي غداً رافعاً من تيرمومتر التشاؤم العام في القادم، رغماً عن الحديث الحكومي المُطمئنَة بحدوث اختراقات جديدة للمشهد السياسي ستقود الشعب إلى بر الأمان.

ربما تمثّل حكاية علي مشهداً يتعلق بالأمنيات الخاصة أكثر منه انتقالاً للحالة العامة في البلاد التي تستقبل عامها الجديد متوشّحة أمنياتها في قادم أفضل تتجاوز به إخفاقات الماضي، ولكن محاولة رسم صورة حالمة لـ(الجاي) تصطدم برؤية يبعثها من القاهرة الدكتور حيدر إبراهيم علي في مقال افتتاحي للعام متوشحاً سيف خوفه: “أخشى أن يكون عام 2014 تاريخا فاصلاً: سودان أو لا سودان.. أي أن يعود السودان ليكون مجرد تعبير جغرافي كما كان قبل ثلاثة قرون. لا دولة ولا مجتمع ولا ثقافة، بل رقعة على الأرض يسكنها أناس يتميزون بسمرة أو سواد بشرتهم، يوصفون بلونهم وأشكالهم وليس بإنجازاتهم وإبداعاتهم. فقد انتظرنا التاريخ طويلا أن نغير ما بأنفسنا، وصبرنا على إضاعتنا للفرص. بل كرر نفسه رغم أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مأساة أو كارثة”.. ويدعم الدكتور رؤيته من خلال ما يدور في الساحة الآن من استمرار حالة الاحتراب مقرونة بالحالة الاقتصادية المنحدرة للخلف ومرتبطة بالصراع الدائر في جنوب السودان ومآلاته على دولة السودان، مقروناً كل ذلك مع عوامل أخرى تقلل حتّى من ارتفاع الأحلام عند الآخرين في واقع يبدو أفضل من الذي مضى.

ربما يسائلك البعض عن مبررات حالة إحباط عام في السودان؟ مراقبون للمشهد يربطون الحالة بما يدور في المجتمع نفسه من وقائع قد لا تبشر بقادم أفضل من الذي مضى، فمشهد التشاؤم لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن مجمل الأوضاع المحيطة بالبلاد اقتصادياً وسياسياً أو حتي اجتماعياً، كما أنه لا يمكن فصله عن الأرقام التي تتناول ظواهر مثل تعاطي المخدرات والرؤية الشباية العامة حول ما يجري في الساحة ككل.

سياسيا يمكنك أن تقرأ المشهد من خلال الخطوات التي تمضي فيها الحكومة من أجل صياغة واقع جديد ترسم من خلاله مشهد التغيير عبر إعادة التشكيل الوزاري من أجل خلق حالة من التجاوب الجماهيري مع أطروحاتها التي تقدمها كحلول للمشكلات الوطنية.

ما ينطبق على الحكومة هو نفسه ما ينطبق على المعارضة التي تعيش هي نفسها حالة من الضعف تجعلها عاجزة عن تقديم اي أطروحة يمكن أن تكون بصيصا للأمل في الواقع المحتقن، وبعيداً عن الفصل بينهما فإن محاولة السعي لتقريب وجهات النظر المتباعدة بين يمين السلطة ويسار المعارضة تبدو مثل البحث عن إبرة في وسط كومة من القش القابل للاشتعال في أي لحظة، وهو الأمر الذي يباعد بدوره في عملية الوصول إلى صيغة تفاهم تقود إلى تكوين حكومة يتراضى عليها الكل وتنجح في تسوية كل المطبات التي تعترض طريق الوصول إلى ميس الاستقرار الوطني والسلام الاجتماعي في السودان، وينهي الصراعات المتمددة، قبل أن يفتح الأبواب نحو تحقيق الأحلام المشرعة في وطن يتسع لكل أحلام شعبه

الخرطوم – الزين عثمان: صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]