تحقيقات وتقارير

رهانات عالية للسودان في صراع الجنوب

[JUSTIFY]الصراع الدائر حالياً في جنوب السودان، اجتذب الاهتمام من جميع أنحاء العالم.
قادة في كل المناحي يتابعون الأزمة المستفحلة في دولة جنوب السودان، وفي دأب يفوق ما يبدو هنا بالخرطوم، حيث الجهة التي شهدت قديماً، خصومة متطاولة مع دولة الجنوب السوداني.
قبل أن يقترع جنوب السودان على الانفصال من شماله، وتأسيس دولته الخاصة سنة 2011م، كان البلدان واقعين في دوامة حرب أهلية لعشرات السنين، أودت بحياة أكثر من مليوني شخص، مع ذلك، فاستقلال الجنوب عن الشمال لم يقطع كل العلاقات.
ففي مجال النفط، اعتمد البلدان على مدخولات النفط، فتواصل تدفقه من حقول الجنوب النفطية إلى مصافي الشمال وموانئه.
حيث ربط البلدين في تكاملية اقتصادية حاسمة. الصراع الدائر حالياً بالجنوب، هدد استمرارية تدفق النفط، إن لم يكن قد عطله في أجزاء من إنتاجه.
وذلك لدواعي فرار عمال النفط من بعض المرافق، جراء الاشتباكات العنيفة في حقلي الوحدة وأعالي النيل.
أي من الطرفين لا يمكن أن يقبل خسرناً في الإيرادات النفطية، فكلاهما يعتمدان على مدخولات النفط، وبشكل أساسي، ما يقدم تفسيراً لنزوع البلدين سراعاً للتفاوض، والذي أخضع ما لا يمكن تصوره سابقاً للتفاوض، وهو إنشاء دوريات مشتركة من القوات السودانية، لحماية حقول النفط.
في هذا الإطار، فقد صرح وزير خارجية السودان، علي أحمد كرتي، الاثنين أول أمس: “السودان وجنوب السودان تشاورا حول نشر قوة مشتركة لحماية حقول النفط في الجنوب” إضافة إلى القوة المشتركة المحتملة لحماية مناطق النفط، سيتم إرسال 900 من الفنيين السودانيين، في مجالات النفط إلى المناطق النفطية في جنوب السودان، بناءً على طلب حكومة الجنوب.
جاءت تصريحات وزير الخارجية السودانية بعد زيارة للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، يوم الاثنين إلى عاصمة جنوب السودان جوبا لمناقشة الأزمة التي تكاد تمزق الجنوب إرباً إرباً.ضم وفد الزيارة، وزراء من المستوي الرفيع، في الدفاع الوطني، الخارجية، النفط، فضلاً عن رئيس الاستخبارات.
وقد صرح الرئيس البشير للصحفيين في مؤتمر صحفي بجوبا: “اتفقنا على تقسيم السودان إلى دولتين من أجل السلام، وقناعتنا هي أن الأنشطة المسلحة لا تحل المشاكل” وقال: من المهم الجلوس على طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق”.
السودان أمامه تحد كبير، إذ ما أستمر القتال في جنوب السودان بما يؤثر سلباً على إنتاج النفط، إضافة لرسوم عبور النفط وتكريره ورسوم إضافية أخرى.
هناك العديد من الوجوه المحلية في السودان تفغر أفواهها انتظاراً لمليارات الدولارات من عائدات النفط.
وهو مورد اقتصادي أساسي للبلد.
والذي نقض الكثير بعد استقلال الجنوب.
يقول أحد المعلقين: “يظهر من رحلة الرئيس البشير للجنوب، أن الخرطوم وجوبا معنيتان بالنفط” حسبما أفاد جون رايل، مدير معهد الوادي المتصدع وأستاذ الانثروبولوجيا في كلية بيرد، مضيفاً: “السيطرة على الحدود، واستعادة تدفق النفط الجنوبي، من المرجح أنهما الإثنان من أولويات الخرطوم”.
كانت الخرطوم قد تعرضت بالفعل لموجات احتجاجية في الشارع السوداني سبتمبر الماضي، وذلك جراء فقدان عائدات النفط.
إلى ذلك فقد تم رفع الدعم عن المحروقات، حتى تضاعف سعره بالكاد.
فالقتال الجاري بجنوب السودان ربما يجعل من الأمور أن تصبح أكثر سوءاً في السودان.
ففي “السوق السوداء” ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي، مقابل الجنيه السوداني إلى مستويات جديدة، وذلك وسط مخاوف تلوح في الأفق بأن إغلاق النفط وما يستتبع ذلك من تداعيات، ربما يحدث قريباً.
زيارة الرئيس البشير إلى جوبا، تعكس اهتماماً إقليمياً واسعاً، بالعمل على تحقيق استقرار دولة جنوب السودان.
فقد سبقه الرئيسان الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين إلى جوبا أواخر ديسمبر الماضي للضغط من أجل السلام، كما فعل الرئيس يوري موسيفيني رئيس يوغندا في زيارة منفصلة.
بل إن السيد موسيفيني ذهب أبعد من ذلك، حيث هدد باستخدام القوة لدحر المتمردين الشهر الماضي، قائلاً: إن القوى الإقليمية يجب أن تقاتل المتمردين اذا لم يوافقوا على وقف إطلاق النار.
“وقد قال مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية: “بالتأكيد أننا نأمل في الا نصل إلى النقطة التي تحتاج فيها المنطقة إلى التدخل”.. وسطاء إقليميون، يسعون لتيسير عقد محادثات سلام بين كل من حكومة السودان وممثلين عن قوات المتمردين بالعاصمة الاثيوبية “أديس أبابا”.
وهناك لا يزال الجانبان منقسمين بشدة.
حيث تجئ المطالبة بإطلاق سراح كبار السياسيين الذين اعتقلوا على ذمة ما وصفه الرئيس الجنوبي سلفاكير، محاولة انقلاب فاشلة، وكان نائبه السابق د. رياك مشار قد قال إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار، ما لم يتم الإفراج عن حلفائه من كبار السياسيين.
العرض الذي يقدمه السودان لحكومة الجنوب، يمثل بالنسبة للرئيس سلفاكير غوثاً كبيراً.
وذلك بالنظر إلى جمهورية السودان كانت الحليف الداعم لنائبة “المقال” رياك مشار، خلال الحرب الأهلية ضد الحكومة في الخرطوم.
انقسم السيد رياك مشار بتيار “حركة تحرير جنوب السودان” عن الجيش الشعبي لتحرير السودان، عاد وتحالف مع الخرطوم وعقد معها اتفاقية.
ذات الجيش المنقسم، هو نفس الجيش الذي يقاتل الآن.
لقد السيد مشار ورفاقه، في وقت لاحق، إلى الحركة الرئيسية لجيش الجنوب، وذلك قبل حلول العام 2005م تاريخ عقد اتفاقية السلام الشاملة.
والتي أدت في نهاية المطاف إلى استقلال جنوب السودان.
الصراع الحالي، والدائر في دولة جنوب السودان، أثار مخاوف في الخرطوم بشأن الأمن على طول الحدود الممتدة بين البلدين والمتوترة أصلاً.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم صفوت فانوس: “الحكومة السودانية قلقة لانعدام الاستقرار في جنوب السودان، وكذلك عدم استقرار جمهورية أفريقيا الوسطي، المجاورة.
إذ من شان عدم الاستقرار، أن يؤدي إلى تدفق مزيد من اللاجئين والأسلحة وخلق تحالفات إقليمية جديدة”.
تواجه الخرطوم بالفعل تمرداً على حدودها الجنوبية، بإقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وفي هذا الإطار، يقول الأستاذ صفوت فانوس: “قد يقود مثل هذا الوضع إلى حال أسوأ، حيث سيسعي المتمردون في السودان، كي يتحالفوا مع متمردي جنوب السودان، المتردون في السودان ينظرون إلى متمردي الجنوب، كحلفاء لهم وقادة، لا سيما قادة الفصيل المسمي بـ”أولاد قرنق” أولئك الذين كانوا على مقربة من البطل الجنوبي، الذي ناضل من أجل الاستقلال د. جون قرنق دي مابيور.
لكن! اثنين من قادة الفصيل، معتقلان في جوبا بتهمة اشتراكهما في المحاولة الانقلابية الفاشلة.
الأمر الذي يدل على عدو مشترك “محتمل” بين السيد كير وحكومة السودان.
القضية الآن تتمثل في مدي قابلية هذا التحالف بين المتمردين للاستمرار قبل أن تعاجله الخرطوم”.
وقالت سارة بانتوليانو، رئيس مجموعة السياسة الإنسانية في معهد التنمية لما وراء البحار في لندن: “إنها في حال تزاوج للمصلحة”.

صحيفة الرأي العام
إسماعيل كشكش ونيكولاس كوليش[/JUSTIFY]