منى سلمان
سكّان ومساكن مسكونة
كثيرا ما كانت تراودنا الهلاويس والهواجس خوفا من الجن والشياطين المتربص بنا في الظلام أيام طفولتنا .. حيث كانت اقامتنا في حي جديد نسبيا وقتها، والذي يضم الكثير من البيوت الخالية والمباني غير المكتملة و(الخرابات)، لذلك كانت حكاوي الاشباح والبيوت المسكونة تظلل ليالينا بالخوف كلما شاء لنا الحظ العاثر بالاستيقاظ في (نص الليل) .. فقد كنت اقضي شخصيا الساعات ليلا، وأنا اراقب من تحت الغطاء أغصان شجرة النيمة المزروعة أمام مدخل بيتنا .. فيخيل لي أن جيوش من الشياطين تلوح لي من فوق اغصانها .. أو لعلها كانت تتحول لشجرة زقوم طلعها كـ رؤوس الشياطين .. مين عارف؟!!
الغريبة .. اني كنت اتخيل شكل الشيطان كما تخيله الرسّام مصمم غلاف (الشياطين الثلاتة عشر) .. بـ قرونو الصغار والحربة الفي يده، ولكم تخيلت ضنوب الشياطين الطويلة مدلدلة من فوق الشجرة، ولكن ما أن يصبح الصباح حتى تعود نيمتنا الحبيبة كهيئتها الأولى .. حيث كنا نجعل لانفسنا تحت ظلها الظليل مجلسا للانس واللعب.
ولكم خضنا المغامرات على طريقة (قوي قلبك) للدخول إلى (خرابة) بيت غير مكتمل البناء على اطراف الحي، كان من ضمن ما تحتويه من الكراكيب برميل مليئ بعجينة الزفت، حيث كانت رغبتنا في اللعب بالكرات التي نشكّلها من عجينة الزفت، تتفوق على خوفنا من دخول الخرابة، فكنا نتسلل اليها بحذر بعد أن نستأذن (عمّار) المكان بصوت عالي:
يا ناس بسم الله .. عليكم الله ما تطوقنا .. نحنا بس دايرين لينا زفت.
كما ان احد البيوت المجاورة لنا ظل خاليا من السكان لفترة طويلة، ولعل أصحابه كانوا من خارج العاصمة، ويبدو أن الظروف قد دعت احد اقرباء ملاك البيت للاقامة فيه، إلا أن خيالنا الخصب أبى إلا أن يلقي علينا بظلال الخوف من هذا الغريب الذي يعيش وحيدا في هذا البيت المهجور، فانعمنا عليه بلقب (سيف البعاتي) .. طبعا حسب علمنا فان بيوت الشياطين لا يسكنها سوى البعاعيت !
أما أكثر مظان سكن الجن والشياطين عندنا فقد كانت المدارس، حيث كنا نسمع عن حكايات (بنات ابليس) اللاتي يتلقين دروسهن بـ الليل في مدرستنا، ثم يضيف إليها خيالنا الخصب الكثير من البهارات والتوم والشمار مع كوز .. كوزين موية، قبل أن نعيد تصديرها للاخريات .. ولكم ادّعت من يجاورن مدرستنا الابتدائية في السكن من زميلاتنا، أنهم قد سمعوا غير مرة صوت الجرس واصوات ترديد (مُرّة بت أبليس) ورفيقاتها لـ نشيد العلم في طابور المساء، قبل دخولهن لنفس فصولنا التي ندرس فيها بالصباح .. وكثيرا ما يجتاح المدرسة (زعر جماعي) فنتدافع كالسخيلات المخلوعة نحو بوابة المدرسة وغالبا ما تصاب البعض منا بالاغماء نتيجة (الدفسة)، وما ذلك إلا لان احداهن صرخت فجأة وادعت بأن (في زول وسوس لي في اضاني) أو (في حاجة هبشتني) أو غيرها من الخيالات والهلاويس …
ولكن كل هذه الحوادث لم تكن شيئا بجوار ما حدث بمدرسة (الثانوي العام) في حينا، والتي كانت مدرسة خاصة .. طبعا المدارس كانت تقسم إلى (حكومة) و(معانة) ولكن كفة الافضلية كانت ترجح بمدارس الحكومة على العكس من أيامنا دي ..
ما علينا .. فقد دعت الضرورة ادارة المدرسة التي لم تكتمل مبانيها بعد، لممارسة عملها في بيت مؤجر .. نفس حال المدارس الخاصة الهسي، ويبدو ان انخفاض سعر البيت قد دعى ادارة المدرسة للتغاضي عن اشاعة كون إن البيت مسكون وكده ..!!
بكرة نحكي قصة تيّة غفير المدرسة الذي اتلحس
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com