رأي ومقالات

الحسين اسماعيل ابوجنه : موازنة 2014 .. الابتسامات وحدها لا تكفي !!


[JUSTIFY]تولى الاخ علي محمود «مجاهدًا» أسوة بجده الخليفة التعايشي مهامه كوزير للمالية والاقتصاد الوطني مع انفصال الجنوب في ظروف اقتصادية بالغة التعقيد والحساسية ارتبطت بتداعيات خروج عائدات البترول بنسبة 70% من بيت طاعة خزانة الحكومة السودانية، هذه الحقيقة المربكة وضعت كل صانعي القرار الاقتصادي والمالي في الدولة وعلى رأسهم وزير المالية في مربع القلق والحيرة و«المجابدة» طوال الفترة الممتدة من منتصف 2011 حتى اللحظات التي سبقت الانفراج في العلاقات السياسية بين الدولتين على خلفية البروتوكولات والاتفاقيات التي تم توقيعها بواسطة الرئيسين «البشير وسلفا»، كإنجاز دبلوماسي بمكتسبات اقتصادية وأمنية وسياسية تظل مطلوبة ومهمة بالنسبة للجانبين في مسيرة الاستقرار والبناء والتنمية..

وحتى نحفظ للوزير السابق حقه نقول وفقًا لمنطق إحداثيات علم الاقتصاد بأن الرجل قد أدار في صمت وصبر اقتصاد الندرة في ظروف غير عادية وكان موفقًا بمنطق تلك الظروف الضاغطة في قيادة السفينة الى بر الامان رغم عاتيات الرياح وجبال الامواج ويحمد له نجاحاته في الكشف عن التجنيب في الايرادات بحجم 27% من الموارد، وصوته الجهير في تحجيم فوضى الانفاق الحكومي وسداد مستحقات الفصل الاول في حينها، وكان حريصًا على تمويل محافظ التمويل الاصغر بما قيمته أكثر من 250 مليارًا «بالقديم» وهو دعم لصالح سياسات الإصلاح الاجتماعي.. وكان مهمومًا بدرجة كبيرة بجدولة سداد أو اعفاء ديون السودان البالغة 45 مليار دولار.. كل هذا في ظل حظ تعيس أفقد الخزانة حظها من عائدات سلعة البترول وأبت الظروف الامنية الا ان تكمل عملية استنزاف الموارد التي بلغ معدل نزيفها بواقع 18 مليار جنيه «بالقديم» يوميًا ورغم ذلك تظل كثير من الوحدات غير المنتجة عبئًا إضافيًا على كاهل وزارة المالية التي يظل وزيرها في حالة من الشد الذهني والتشتت تطارده الظنون.. ويبدو أن هذا هو قدر كل من يتولى أمر الولاية على المال العام في دولة نامية مثل السودان يقطنها مجتمع جل سكانه تحت خط الفقر «بنسبة 68%».. ويبدو أن الوزير السابق علي محمود كان صارمًا، قليل الابتسامة تحت تأثير تلك الظروف، الامر الذي جعل منه منصة لتصويبات صحفية كانت تنال منه لأسباب أقرب الى القصد في تضخيم الاخطاء منها الى الموضوعية..

وبباب خروج علي محمود يدخل بابتسامة عريضة الوزير بدر الدين محمود ويبدو أن السر في ابتسامته مرتبط بإحساس الأمان الذي وجده من حرث الارض السياسية وعودة العلاقات الى التدفئة بين الدولتين مما يبشر بوفورات مالية وانجازات اقتصادية واستثمارية وتجارية يتوقع حدوثها تحت تأثير النقلة الجديدة في الاصلاحات الهيكلية بالدولة مصحوبة بتحسن مطّرد في العلاقات الخارجية مع دول الجوار كالجنوب «الاتفاقيات الاربع» وتشاد « ملتقى ام جرس» واثيوبيا «الاستثمار في الكهرباء» وربما مصر التي تتجه الى الهدوء والتقاط الانفاس ومداواة الجراح… في ظل هذه المعطيات تطل بشريات وفرة الموارد لخزينة حكومة السودان التي صممت موازنة شبه صفرية للعام 2014.. ولتبسيط فكرة صفرية للقارئ فهي تعني ان هناك موارد مالية كافية تقابل بالكاد متطلبات الانفاق رأسيًا وافقيًا دون اللجوء الى الاستدانة من النظام المصرفي او الاعتماد على القروض الأجنبية «المسمومة» مرتفعة الفائدة، وكمتابع لما يحدث انشغلت كثيرًا بتفسير سر اسراف الاخ وزير المالية الجديد بدرالدين محمود في توزيع طيف الابتسامات الضاحكة اثناء مؤتمرة الصحفي الاخير المنعقد بخصوص الموازنة السنوية 2014، ومن خلال ردوده على استفسارات الصحفيين مقرونة مع محتوى تقرير مداولات اعضاء المجلس الوطني حول نفس الموضوع استطيع ان اجزم بان ابتساماته تعبر عن مضمون المقولة الشهيرة :- « لا اكذب ولكن اتجمل»..

وانا اعتقد كذلك لان المذكرة التفسيرية للموازنة لم تقدم ايضاحات منطقية وشافية حول الخطة الموضوعة لإمكانية توفير موارد بديلة لبترول الجنوب المهدد بالحرب المستعرة هناك حاليًا، هذا إضافة الى غياب الرؤية المنهجية المتفق حولها لكيفية تجفيف سياسات التجنيب التي الحقت ضررًا بالغًا بتحصيل الايرادات، وقبل ان نغادر مربع الدهشة لابتسامات السيد الوزير بدرالدين دعونا نتأمل تفاصيل خطة وزارته في 2014 لإنزال توجيهات السيد رئيس الجمهورية حول محاصرة الفقر وانعاش الخدمة المدنية والقضاء على التمرد وتليين مفاصل السياسة الخارجية للدولة ورفع قدرات الاداء في القطاعين العام والخاص، كل هذه الحزم يتطلب تنفيذها إعمال مبدأ وحدة الميزانية للدولة التي يقتضي الواجب والمنطق المهني توحيد كل الرؤى على صعيد واحد دون تباين في وجهات النظر بما يعيق التنفيذ، واذكر الاخ الوزير بأن هذا هو ما كان معمولاً به حتى اواخر سنة 2000 حيث تتولى اتيام عمل الميزانية بالوزارة الام مهمة مناقشة وتجميع كل المقترحات الولائية ودمجها مع المقترحات القومية في صعيد واحد ومن ثم اجازتها كمشروع موازنة موحد بقانون يصادق عليه رئيس الدولة بمرسوم، ولكن ما نراه الآن لا يعدو ان يكون مهرجانات خطابية للمجالس التشريعية بالمركز والولايات تهلل بعدها للموافقة على أي مقترحات رقمية دون الغوص عميقًا في محتوياتها ومدلولاتها القومية أو الولائية، هذا الامر انجب سلسلة من التعقيدات الاجرائية صاحبها تضارب في الصلاحيات بين المركز والولايات.. وكثير من الاستثمارات ظلت حبيسة الادراج من جراء هذا التضارب مما قدح كثيرًا في مصداقية الدولة حيال تطبيق شعارات تحفيز وتشجيع الاستثمارات الاجنبية والمحلية..

وعلى خلفية ضبابية هذا الموقف يظل وزير المالية مطالبًا بتوضيحات تشفي الغليل وتطمئن الصدور بأن الامور المالية تحت السيطرة ومتحسب لها باعتبار ان التغيير الذي اتى ببدرالدين محمود كفيل بإحداث نقلة نوعية في حياة المواطن وحراك الدولة «على حد المبررات التي سوقت للتغيير»، وفي جميع الاحوال يظل الخوف قائمًا على خلفية ان موارد الدولة من البترول «الفي الانبوب» تكفي لفترة سماح قدرها الوزير بثلاثة أشهر على حد تعبيره وهو يبتسم، ولكن ماهي التحوطات الموضوعة في حالة اتساع رقعة الحرب الدائرة مع اصرار رياك مشار على الاستمرار فيها بدعم خفي قد يجد متعة بالغة في الحاق اكبر الأضرار بالسودان الذي يخطط كثيرون لتغيير النظام فيه بسلاح الحصار الاقتصادي بدلاً من الحرب التي جربوها لأكثر من عقدين ليكتشفوا بعدها ان الشعب السوداني مازال يرقص مع اغنية النار ولعت بقلبي بطفيها… الاخ الوزير بدر الدين ان موازنة تمثل حصيلة تقديراتها 12% من اجمالي الناتج القومي تتطلب كثيرًا من الصرامة والشفافية مع قليل جدًا من الابتسامة عملاً بالقول المأثور :- « صديقك من أبكاك وبكى معك وليس من أضحكك وضحك عليك» ولنا في اليابان عبرة وهي تنهض من تحت الركام برافعة الانفجار المعلوماتي الشفاف الذي سخر رصد المعلومات وتحليلها لصالح اعادة بناء أمة في دولة تعتبر الرائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا والتصنيع!! وبلغت اليابان كل هذا المجد ولم يرصد التاريخ لحظة واحدة توثق لابتسامة شاردة لوزير مالية فيها!!

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]