الفقر يسرق أحلام الأطفال في سوريا
عند أحد الحواجز المنتشرة وسط العاصمة السورية دمشق تنتقل الطفلة هلا لتبيع “العلكة” إلى راكبي السيارات المتوقفة بفعل الازدحام، وتمد يدها الصغيرة طالبة من راكبي تلك السيارات شراء ما تحمله من العلكة، في محاولة منها للحصول على مبلغ يعين عائلتها النازحة على دفع إيجار المكان الذي تنام فيه.
ومثل هلا، أطفال كثيرون ينتشرون في شوارع دمشق، إما للتسول أو لبيع بعض الأغراض البسيطة كالعلكة أو المناديل الورقية أو بعض الحلويات، منهم من يمسح زجاج السيارات، وبعضهم يعرض مسح الأحذية مقابل مبلغ زهيد، يدفعهم لذلك الفقر والحاجة وعائلاتهم الممزقة التي نزح الكثير منها عن مدنه ومنازله تاركا وراءه كل ما كان يملكه.
ولا تقتصر مأساة الأطفال على الفقر، وإنما هم يدفعون اليوم ثمن جهل أهلهم، وقسوة المجتمع وتخليه عنهم، فلا مؤسسات تقوم برعايتهم ولا ضوابط أو قوانين فعالة تحول دون إرسالهم للتسول أو العمل.
الظاهرة تتنامى
تقول منى، وهي موظفة في دمشق تقطع كل يوم مسافة طويلة بسيارتها كي تصل إلى مكان عملها، إن انتشار ظاهرة التسول والباعة الأطفال في الشوارع “باتت كبيرة جدا في العامين الأخيرين”، وتعزو ذلك إلى الأوضاع المأساوية التي بات يعيشها أغلب السوريين، من فقر ونزوح وصعوبة تأمين عمل.
وتضيف منى للجزيرة نت “بات من المألوف أن نرى عند كل إشارة مرورية طفلاً أو أكثر، يتسابقون إلى بيع ما يحملونه أو طلب النقود عندما تتوقف السيارات على الإشارات المرورية، وأغلبهم يحفظ بعض الأدعية والتي ما ينفك يرددها في محاولة بائسة لاستجداء بعض النقود”.
وتشير منى إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الأهل هم من يدفع بالأطفال للتسول وبيع الأغراض. وتضيف “كثيرا ما أسأل هؤلاء الأطفال عن مكان تواجد أهلهم وأغلبهم يقول لي بآخر الشارع، فهم يمكثون في مكان قريب ويرسلون بأولادهم للتسول، وينتظرون ما سيعود به الأطفال من نقود”.
ورغم أن منى تؤكد أن هذه الظاهرة ليست جديدة على دمشق، لكن التزايد المخيف في أعداد الأطفال الذين يملؤون شوارع المدينة اليوم، “هو الأمر الذي يدعو للقلق والتخوف على مستقبل هؤلاء الأطفال”.
لا منزل ولا مدرسة
وحرم الفقر النزوح معظم هؤلاء الأطفال من الذهاب للمدرسة، فمن نزح عن مدينته ومنزله انقطع عن الدراسة منذ عام أو أكثر لأسباب كثيرة، كعدم توافر مدارس قريبة أو مقاعد شاغرة في المدارس المتاحة أو عجز الأهل عن تأمين ثمن الكتب والقرطاسية للأطفال.
ويقول محمد، وهو طفل في العاشرة يبيع المناديل الورقية على “جسر الرئيس” في دمشق، إنه يفعل ذلك لمساعدة أهله في الحصول على نقود لشراء الطعام، مضيفا “أهلي هنا في الحديقة القريبة، نحن ننام هناك ونحصل أحيانا على طعام مجاني من بعض المحسنين أو من أحد المطاعم القريبة، ونضطر لشراء وجبة طعام في بقية الأيام”.
أما آية، وهي طفلة تتسول في شارع مساكن برزة في دمشق، فتقول بصوت منخفض إنها تمضي النهار كله في الطريق، حيث تعمل وتأكل ما تستطيع الحصول عليه، ويتوجب عليها في نهاية اليوم أن تعود بمبلغ معين لأهلها، “أنا أتمنى أروح المدرسة، بس لازم نشتغل، وما في مكان ندرس فيه”. تقول آية ببراءة وعيون حزينة.
الجزيرة.نت