تحقيقات وتقارير
جثة مجهولة الهوية الحلقة الثامنة
وفد (سودانير) كان برئاسة المدير العامالجديد- السيد عبدالمحمود سليمان وضم الأساتذة عبد الرحمن فضل الأمين العام لمجلس الإدارة (المحلول) وعثمان يوسف المدير التجاري وأحد منسوبي مكتب المستشار القانوني في (سودانير)..
الأستاذة أسماء الرشيد المستشار القانوني لـ(سودانير) كانت في عطلة في القاهرة ولم تشارك في الوفد، لكن من ناب عنها في المكتب كلف أحد منسوبي مكتب المستشار القانوني(عبد المطلب هارون) بمرافقة الوفد.
رجل الأعمال الخليجي (مرابط الصواف) لم يقصر في استضافة وفد (سودانير) على حسابه الخاص في فندق (فيرمونت) بشارع الشيخ زايد بمدينة دبي..
حسب الاتفاق الذي ينتظر التوقيع النهائي حتى الآن.. كل ما يفعله رجل الأعمال الخليجي أنه سيستأجر من (سودانير) اسمها والنداء الجوي الخاص بها Call Sign.. ويدفع لـ(سودانير) مقابل ذلك ثلاثة آلاف دولار عن كل رحلة، ويسري الاتفاق لخمس سنوات.
الشبهات حول الموضوع كبيرة.. فرجل الأعمال الخليجي محاط بكثير من الريب والشكوك جراء عمليات سابقة. لكن الأنكى والأمر، هو أن (سودانير) بكل اسمها المشتق من اسم الوطن وعمرها السبعيني.. تضطر آخر الزمان (مثلما ينادي بعض الباعة الجائلين في السوق العربي “الشغلة ما شغلتنا.. إلا الظروف جبرتنا”)، تضطر لمثل هذا الوضع في عالم يراقب ويتابع ويعلم بكل التفاصيل.. تفاصيل الصفقة المشبوهة.. أن تبيع اسمها وسمعتها لقاء أموال زهيدة.
المدير العام الجديد لـ(سودانير) السيد عبد المحمود سليمان متحمس لهذه الصفقة، لكن يبدو أن رياح الرفض والمعارضة ستضطره للتراجع.. و(الله يعوض) رجل الأعمال الخليجي في نفقات الاستضافة..
على كل حال.. إذا كان هذا ما يجري في دهاليز (سودانير) الآن في هذه الأيام.. وأكرر (الآن) بعد كل تراجيديا الشراكات السابقة.. فيظل السلوك (المؤسسي) المفضي للفواجع متوفرا وبكثرة داخل عقل (سودانير).. ويظل الخطر محدقاً..
وما يزيد الأمر سوءاً غياب مجلس الإدارة الذي حلته الحكومة قبل عدة أشهر وتركت الموقع شاغراً.. دائرة صنع القرار ضيقة للغاية..
والمدير العام الجديد السيد عبد المحمود سليمان غريب عن صناعة الطيران ولم تتصل خبرته بمثل هذا التخصص إطلاقاً.. وأُلقي به في اليم مكتوفاً وقيل له (إياك. إياك أن تبتل بالماء)..
ليس لدى الحكومة أي رؤية استراتيجية حول مستقبل (سودانير)، كل المطلوب منها أن تأكل من خشاش الأرض وتعيش كيفما اتفق.. ولهذا لم يكن غريباً أن يذهب وفدها إلى إمارة دبي للتفاوض حول هذه الصفقة الكارثية التي تهدد سمعة (سودانير) قبل مالها.
الشواهد..!!
كون (سودانير) هي ضحية قصر النظر الاستراتيجي عليها شواهد كثيرة. سأسرد عليكم الآن حكاية أخرى سيكون محيراً هل نضحك من طرافتها.. أم نبكي من فداحتها؟..
كانت هذه إحدى الحكايات المفجعات مباشرة قبيل دخول (مجموعة عارف) في شراكة (سودانير)..
هل سمعتم بقصة (قزاعة) (الطريف أن الصحف السودانية التي تناولتها حينها كانت تطلق عليها”خزاعة”)..
هذا فصل تراجيدي مكتوب على جبينه (احزن.. فأنت في السودان).. وحتى لا يغضب بعض الوجهاء الذين ربما يظهرون في الصورة الفوتوغرافية المرفقة فأرجو أن أؤكد أنني فقط هنا معني بالوقائع دون تسجيل إدانات أو ملاحظات على الأفراد.. لأنني لم أتفرس في أدوارهم في القصة فذلك خارج إطار هذا التحقيق الاستقصائي.. كل الذي أقصده هنا الوقائع.. ولا شيء غير الوقائع التي أدت إلى هذه الفواجع.
حكاية (قزاعة)..!!
هذه القصة راجت في هوجة البحث عن شراكة تريح الحكومة من أزمة مستديمة اسمها (سودانير).. مع أزمات أخر في مجال الطيران عموماً والطيران المدني خاصة..
بالله دقق النظر جيداً في الصورة المرفقة.. ثم اقرأ الخبر المرفق معها.. مع التنبه إلى أن هذه الصورة والخبر ليست في صحيفة عادية.. بل في مجلة تتبع للطيران المدني (نفسه شخصياً).. هل يراودك أي شك في صدق كل كلمة منشورة في الخبر؟..
بالطبع لا.. فهي الحكومة بكامل هيبتها..!! وحفل التوقيع داخل وزارة المالية السودانية (نفسها).. والمجلة التي نشرت الخبر مجلة حكومية مختصة ومتخصصة.
جاء السيد يحيى على جابر مدير عام شركة (قزاعة) وعرض على الحكومة صفقة ضخمة.. تمويل في حدود نصف مليار (500 مليون دولار) عداً نقداً.. يستثمر في شراء طائرات وإصلاح المطارات ومشاريع أخرى..
وعلى رأي النكتة الشهيرة (سيبكم من قولي أنا.. واسمعوا قول أهل الشأن عن رأيهم في الصفقة).. (راجعوا نص الخبر المنشور مع الصورة)..
وزير الدولة بوزارة المالية آنئذ – قال عقب مراسم التوقيع: “إن قيام هذه الشركة يعد قفزة كبيرة في مجال الطيران بالسودان.. حيث سيوكل لها أمر بناء وتأسيس وتشييد وتطوير المطارات بالسودان وتطوير الخطوط الجوية السودانية لمواكبة التطور العالمي في هذا المجال” وأضاف الوزير: “ستكون المساهمة في الشركة بنسبة 40% لحكومة السودان و60% لشركة قزاعة للاستثمار”
السيد أحمد إسماعيل زمراوي المدير العام لشركة (سودانير) بعد توقيع العقد أكد أن: “الإتفاقية ستعمل على تطوير خدمات النقل الجوي وسودانير بصفة خاصة وستصبح إضافة للطيران بالمنطقة العربية والأفريقية..”
بعد أن تسلم رجل الأعمال الخليجي مباركة الحكومة السودانية.. وأخذ معه الصور التذكارية التي نشرتها الصحف ومجلة الطيران المدني.. رجع إلى بلاده وبدأ في الترويج للصفقة الكبرى مع الحكومة السودانية.. وزين لبعض السودانيين أن يدخلوا معه في هذه الغنيمة الكبرى.. والدليل دائماً معه.. العقد.. وصور توقيع العقد.. بكل الشخصيات المرموقة التي فيها.. ونشرات الصحف والإعلام السوداني.
جمع رجل الأعمال أكثر من مليون دولار من سودانيين في الخليج وآخرين هنا في الخرطوم المال وأضافوا عليه مساهمات عينية مثل السيارات (أحدهم يمتلك شركة ليموزين هنا في الخرطوم).. وبعضهم من فرط الحماس دفع تكاليف ضيافة الوفد الخليجي في فندق هيلتون الخرطوم..
أحد هؤلاء (الضحايا) دفع من حر ماله (300) ألف ريال سعودي.. سألته: “كيف بهذه البساطة انطلت عليك الخدعة؟”.. رد بكل حزن: “من يقرأ الأخبار.. ويرى صور حفل التوقيع في شاشة التلفزيون.. وكل هذه الأسماء البراقة.. فلن يجد سبباً واحداً للسؤال حول جدية الأمر..”.
الحقيقة لم أجتهد كثيراً في استكشاف تفاصيل هذه الصفقة لأنها لا تستحق أكثر من دمعة حرى على أموال السودانيين الذين خسروها في هذه الخدعة (الرسمية) التي اختفى بعد ذلك أبطالها الخليجيون من المسرح تماماً.
لكن تبقى القصة عنوانا عريضا (مانشيت) يصف كيف كانت ولا تزال- الحكومة تنظر إلى هذه الخطوط السودانية..
الوجه الآخر..!!
ذلك كان وجها.. لكن دعوني الآن أعرض عليكم وجهاً آخر خطيرا للغاية.. الجزء التالي تلقيت تفاصيله من عدة مصادر معلومات كلها تتمتع بحماية قانون الصحافة الذي يمنع كشف مصدر المعلومات الصحفية لأية جهة حتى أمام المحكمة.. لكن أحد مصادر المعلومات الذي تظهر معلوماته في الحلقة القادمة بإذن الله – أصر على أنه لا يبالي لو ذكر اسمه.. رغم خطورة المعلومات التي أدلى بها.. ألتقطت له صورة لكن بصراحة تركت الأمر لمستشاري القانوني لتحديد مدى الخطورة التي قد يتعرض لها إن ظهر اسمه.
العرض التركي..!!
تقدمت شركة الطيران التركية بعرض متميز للدخول في شراكة مع (سودانير).. وعلاوة على ما يلتصق باسم دولة تركيا من تميز تجاري (وللحقيقة سياسي أيضاً) فإن الخطوط الجوية التركية (جاء ترتيبها الأولى هذا العام ضمن الشركات الأوروبية..) والعبارة اقتبستها لكم من خطاب سفيرنا في تركيا عمر حيدر أبوزيد.
العرض التركي يقدم لشركة الخطوط الجوية السودانية ما تفتقده تماماً.. الشراكة المدعومة بخبرة قوية وموقف مالي متقدم.. خلافاً لما كان عليه الحال في شراكة (مجموعة عارف) الكويتية التي تستند على عظم ظهر مالي قوي تنقصه الخبرة بصناعة الطيران.
ما الذي حدث للعرض التركي؟؟ انطوى حبيس الأدراج (ربما حتى المدير العام الجديد لم يسمع به ولم ير أوراقه)..
العرض قريب الشبه بالشراكة التي بين الخطوط الجوية الكينية وشركة (KLM) الطيران الهولندي التي انتشلت الخطوط الكينية من القاع إلى القمة..
يمكن العرض (سودانير) من التمدد في مطارات العالم في القارات الخمس ويساعد الخطوط التركية على التوغل في أفريقيا ممتطية اسم الخطوط الجوية السودانية (سودانير).. كما يجعل الأصول التركية الهائلة من ورش ومعدات وخبرات ومراكز تدريب متقدمة كلها تحت تصرف الخطوط الجوية السودانية (سودانير).
لم يلتفت للعرض أحد.. لماذا؟؟ الحجة التي تقدمت بها (سودانير) أن الإدارة تغيرت ومجلس الإدارة حُل.. لكن الإجابة ستكون في ثنايا العرض الثاني الذي تلقته (سودانير) أيضاً وكان مصيره ليس بأفضل من مصير العرض التركي..
هل صحيح أن البعض اشترط بصورة مباشرة لا لبس فيها الحصول على (رشوة!!!!!) مقابل تمرير عروض الشراكة؟.. هذا ما سنميط اللثام عنه في الحلقة القادمة التاسعة بإذن الله..
ونواصل.. بإذن الله
عثمان ميرغني: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]