تحقيقات وتقارير
روشته الدواء : فاتورة من العيار الثقيل
انعكاسات الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها سياسة الدولة عبر قرار رفع الدعم الأخير عن المحروقات خلفت وضعاً جديداً تبدلت معه السلوكيات الاقتصادية للمواطن الذي يعييه تدبير أمره في سبيل الصرف على ضروريات حياته والتي من بينها العلاج الذي لا غنى له عنه باعتبار ارتباطه بحياة الشخص وربما يعجل إهمال العلاج بحتف المريض.
تكاليف باهظة
على الرغم من جهود الدولة في توطين العلاج بالداخل لكثير من الامراض، إلا أن السياحة الطبية لدول أجنبية مازالت على أشدها لجهة أن بعض الحالات لا توجد هنا مشاف متخصصة لعلاجها، أو قد لا يوجد طبيب متخصص ليتولى أمرها، خاصة بعد أن راق لعدد هائل من أطباء البلاد ذوي التخصصات النادرة الهرب بحثاً عن بحث وضع مادي أفضل.
العلاج بالخارج فاتورته مكلفة ومرهقة لطالبيه؛ خاصة إذا كان طالب الخدمة من أصحاب الدخول المحدودة التي تعجز عن تدبير مبلغ تذاكر سفر الطيران، الإقامة، الإعاشة، ومصروفات العلاج الأخرى.
وتنتظر السيدة (….) مصير مريضيها التي اطلعت (اليوم التالي) على حالتها بعد أن تمكنت في رحلة علاج أولى لدولة آسيوية من جمع قيمة تذاكر وبعض تكاليف العلاج التي وصلت قرابة الـ 8 آلاف جنيه، وبعد رجوعها للسودان والاستعداد للرحلة الثانية حسب طلب الطبيب إجراء عملية في الرأس لمريضتها، سرعان ما تقطعت بها السبل وعجزت عن الحصول على مال تستطيع به علاج “مريضتها” وقالت: “اتصالت بالطيب.. طالبني أن أسابق الزمن لمقابلته ولكن من أين لي بثمن التذكرة؟”.
أما الحاج ياسين رحمة الله فأكد لـ(اليوم التالي) أن معاناته مع آلام “الغضروف” كلفته الآلاف من الجنيهات ولم تفلح جهود الأطباء في علاجه وكذا فشلت مقابلاتهم ووصفاتهم المتصلة في تخفيف الألم بعد أن وصف كل ذلك بقوله: (ضياع قروش سااااي).. وفي كل مقابلة يُطلب من ياسين عمل صور (XR) وتحاليل طبية معينة بالكاش، وفي آخر مقابلة له قرر الطيب إجراء عملية جراحية، لكنه تخوف منها لجهة إصابته بداء “السُكر”، بيد أن أكثر ما تحسب له هو صور الشخيص التي تصل تكلفتها في بعض المراكز والمشافي العلاجية لما يقارب 500 جنيه وهو مبلغ يعز عليه تدبيره فكيف به بتدبير ثمن تكلفة عملية وإقامة في مستوصف لأكثر من ليلة؟.
التأمين الدوائي خارج الخدمة
في شارع الحوادث على مقربة من مستشفى الخرطوم التعليمي يشدك اصطفاف حاملي الوصفات “الروشتات” الطبية على أبواب صيدلية التأمين، بات هذا من المشاهد التي ألفها المجاورون للصيدلية بسبب تكراره يوميا.
التأمين على الرغم من حله لمعضلة علاج من مال المؤمن (العامل)، غير أن ذات الخدمة بها “مكدرات” و”منغصات” يعرفها من يتداوون عبر التأمين فالتجوال عبر “روشتة” التأمين لا يسلمك من نظر الصيدلي والتأشير بقلمه على دواء ومنحك إياه بالتامين وآخر يطلب منك شراءه خارج التأمين.
محمد عبد الله الموظف بجهة حكومية تساءل بأسى في حديثه لـ (اليوم التالي): لماذا يفاجأ صاحب البطاقة التأمينية برد الصيادلة من شاكلت: “الدواء خارج الخدمة؟”.
وآخرون ينتابهم نفس إحساس محمد، من الغبن لكن هذه المرة في عدم تضمين التأمين لبعض الأودية عالية الثمن، في تبرير للمستفيدين من البطاقة الذين يرون أنه: ما دام التأمين سيحصل في نهاية الطاف على المال المستقطع فلماذا لا تدخل جميع الأدوية المظلة التأمينية بدل إرهاق المواطن بشراء دواء خارج التأمين؟.
ومع وجود خدمة التأمين واستهداف بعض الأسر محدودة الدخل بالبطاقة التأمينية عبر برامج التكاليف المقدمة من الجهات الحكومية المختصة؛ تظل هنالك عدد مقدر من الأسر السودانية لا تجد دعماً لعلاج حالاتها المرضية البسيطة منها والمعقدة، بعد أن أسقطت من حساباتها فاتورة العلاج- على اهميتها- واكتفت بالتركيز على المعاش ومستلزماته اليومية، ليظل التحدي والعبء ماثلاً أمام الدولة من أي وقت مضى على إيجاد حل للشرائح التي يعييها تدبير تكاليف العلاج بعد أن أصبح كل ما يقتنى ويراد عزيزاً في هذه الأيام.
حيدر عبد الحفيظ: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]