رأي ومقالات

أحمد يوسف التاي : الصحافي ليس موظفاً حكومياً

[JUSTIFY]«أنت تنظر للأشياء بعين واحدة فقط، ولا تصوّب بصرك إلا إلى الجزء الفارغ من الكوب».. قبل أن أعترف بصحة هذا الاتهام، أقر بأن أول من وجهه لي هو أمير الحركة الإسلامية بولاية الخرطوم، محافظ أم درمان الأسبق الدكتور محمد محيي الدين الجميعابي الذي جاء وقتها إلى مكاتب صحيفة «الشارع السياسي» منفعلاً بسبب موضوع انتقدتُ فيه الحكومة في عام 99م، ثم تصالحتُ بعد ذلك مع هذا «الاتهام» لكثرة ما تردد على مسامعي من بعض المسؤولين وأشياعهم واتباعهم وحوارييهم وبطاناتهم وحاشياتهم… أقول أما كوني أنظر بعين واحدة فهذا صحيح تماماً، وأما كوني أصوّب بصري على الجزء الفارغ من الكوب، فهذا أكثر صحة.. نعم أنظر بعين واحدة هي «عين» النقد لمواقع الخلل من أجل إصلاحه، وليست عين السخط التي تبدي المعايب بغرض تقزيم الأشياء العملاقة ونقدها بلا هدف.. وأصوّب بصري إلى الجزء الفارغ بغية لفت الانتباه لملئه وسد الثغرات، هذه هي الصحافة الحرة المستقلة التي عرفناها وآمنّا بها، وأدركنا حكمة وجودها تصوّب سهام نقدها لمواطن الخلل دون مواربة أو خوف أو طمع.. تفعل ذلك من أجل الإصلاح ومناصرة الحق، وهي قطعاً ليست بوقاً للسلطة والمسؤولين تعكس إنجازاتهم، فلعكس الإنجازات والترويج أبواق ونشرات مدفوعة الثمن وإعلام رسمي يخلق من «الحبة» قُبة، ومن «الفسيخ» شربات».. وهناك من يقول يجب على الصحافة أن تكون «عادلة» تعكس الإنجازات كما تفعل مع الإخفاقات، وينسى هؤلاء أن «العدالة» الحقيقية تقتضي أن يعمل المسؤول ليل نهار لتحقيق أكبر قدر من الإنجازات والعظيمة والعملاقة لأنه بالمقابل يحصل على مرتب محترم وحوافز ضخمة، وامتيازات ومخصصات وبدلات مذهلة «بدل سكن وأعياد، وإجازات …الخ» وعلاج بالخارج والداخل له واسرته، وتذاكر سفر، وثلاث سيارات على الأقل في خدمته هو وعائلته الكريمة، واتصالات وانترنت للاستعمال الشخصي والرسمي بـ «صراحة شديدة ديل قاطعين نفَس الدولة والشعب والنتيجة لا شيء إلا من رحم ربي، وما شايفين واحد زي مانديلا أو مهاتير عشان الصحف تتكلم عن إنجازاته»، وأكاد أجزم أن ما يأخذونه من مال الشعب وعرقه ودمه مقابل هذا الأداء الضعيف لا يساوي معشار ما يؤدونه من واجبات، ولو أنهم يحققون «الربع» مما هو مطلوب منهم لما كان هذا الحال المائل، هذه رؤية آمنا بها وجرت في عروقنا وهي أن الصحافة جهاز رقابي وناقد لتسليط الضوء على مكامن الخلل بغية العلاج والإصلاح لا للترويج والدعاية، فمن واجب المسؤول أن ينجز فهذا أمر طبيعي لا يحتاج إلى تضخيم إعلامي كأنما هذا المسؤول أتى بشيء سبق به الأولين والآخرين، لكن من غير الطبيعي «عدم الإنجاز» وترك الفراغ الكبير بـ «الكوب» فهذا الأمر غير الطبيعي و «الشاذ» هو الذي يشد انتباه الصحافة ويحتم عليها تسليط الأضواء، خاصة أنها قائمة على لفت الأنظار إلى المفارقات وما هو ليس طبيعياً.

أعجب لزملاء كبار يحشون «مخاليهم» عفواً ــ زواياهم ــ بعبارات مفرطة في الكذب والنفاق والتسول إمعاناً في مدح «سيف الدولة» لا بل «الحجاج» بكل قهره وجبروته طمعا في ما عنده أو خوفاً من سطوته وبأسه، أفلا يعلمون أن الرزق بيد الله، وأن الذي خلق «الحجّاجين» هو أشد بأساً، وأشد تنكيلاً… ما أحوجنا إلى ثورة داخلية تهد أركان الباطل في بلاط صاحبة الجلالة، وتصحح مفاهيم بعض المسؤولين الذين يظنون أن الصحافي موظف معهم بقسم العلاقات العامة أو المكتب الصحفي.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]