تحقيقات وتقارير
الخرطوم والقاهرة..اشارات متقاطعة.!
فزيارة الرجلين اللذين يمسكان بخيوط السياسة المصرية في المحيط العربي والدولى، تأتى بعيد استئناف مفاوضات الدوحة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة التى افتتحت يوم الاربعاء الماضي، وكذلك بعد تباين واضح في الرؤي بين البلدين في القضايا الأقليمية خاصة المتصلة بحماس، اذاً فهى رحلة مصرية جديدة ينظر لها المراقبون بأكثر من زاوية من واقع طبيعة القضايا التى ستتناولها.
وقد نشطت مصر في الآونة الأخيره في المسرح السودانى ومعالجة قضاياه المتعددة والمعقدة، وكثيراً ما يشار الى أن رحلة الرجلين، وزير الخارجية ومدير المخابرات المصري الى الخرطوم بأنها كثيراً ما ترتبط بتطور ما على الساحة السودانية سواء كان داخلياً أو خارجياً، وهو ما يعكسه توقيت زياراتهما التى غالباً ما تتزامن مع تعقيدات سياسية داخلية أو خارجية، فالرجلان يجيدان دبلوماسية السياسة والمخابرات أكثر من غيرهما في مثل هذه الملفات المتصلة بالتعقيدات الدولية.
فالرحلة المرتقبة للوزيرين تأتى والخرطوم تترقب الكثير من التطورات السياسية، فمن الخليج العربي انطلق ماراثون جديد في ديربي دارفور، تقوده الدوحة القطرية بهدف ايجاد المخرج للأزمة المستفحلة وتداعياتها المرهقة، وعلى ذات الصعيد ونتيجة لتداعيات ذات الأزمة الدارفورية تترقب الخرطوم ما يسفر عنه قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر البشير الذي وجه له مدعيها العام لويس مورينو أوكامبو تهماً تتعلق بارتكاب جرائم حرب وضد الانسانية بدارفور.
فبين ما يجري في الدوحة وما هو متوقع صدوره من لاهاي للقاهرة فيه خيوط ومجاري كثر، فالرئيس المصري حسني مبارك كان قد انهى أمس زيارة لباريس، وباريس الفرنسية تمسك بكثير مما يجري في لاهاى، وكان الرئيس المصري حسنى مبارك قد انهي قبل شهرين زيارة الى باريس وبعدها توجه للخرطوم في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، تكهنت مصادر وقتها انها تأتى في اطار المساعي المصرية لايجاد مخرج من قرارات المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما أكده حينها مصدر مصري «للبي بي سي» بأن مبارك «سيجري محادثات مع الرئيس عمر البشير تتناول اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والعلاقات الثنائية»، ورُجح وقتها أن يكون مبارك قد قدم رؤية للخروج من أزمة المحكمة الجنائية الدولية للقيادة السودانية في الخرطوم، بعد قدومه من العاصمة الفرنسية باريس التى تلعب دوراً كبيراً في موضوع المحكمة الجنائية الدولية، بل تقدمت بأربعة شروط للخرطوم لتنفيذها مقابل تجميد اجراءات المحكمة لمدة عام قابلة لتجديد وفقاً للمادة «16» من ميثاق روما.
والآن يصل وزير الخارجية المصري أحمد ابو لغيط ومدير المخابرات عمر سليمان الى الخرطوم بعد انهاء الرئيس المصري زيارة لفرنسا تطرقت كذلك لقضية تداعيات صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر البشير، في وقت ربط فيه البعض الزيارة بتوتر مكتوم بين البلدين مؤخراً، ولكن سفير السودان بمصر عبد المنعم مبروك كان قد استبعد في تصريحات صحافية حدوث ما يعكر العلاقة بين الخرطوم والقاهرة، ووصف ما أوردته بعض الصحف المصرية بأنه لا يعبر عن وجهة النظر الرسمية، مشيرا الى أن العلاقة بين البلدين في حالة جيدة ويتم معالجة الخلافات فيها بشكل هادئ وعقلانى.
ومن الناحية الأخري تأتى الزيارة في وقت انطلقت فيه مفاوضات التسوية بين الحكومة وحركة العدل والمساواة في دارفور بالعاصمة القطرية الدوحة، وتعد القاهرة من الفاعلين في الملف الدارفورى، ولكن تداعيات عالم ما بعد احداث غزة الفلسطينية، يشير كثير من المراقبين الى أنها أحدثت انقساماً في الصف العربي، بعد عقد قمة غزة بالدوحة وتصنيف الدول الى محور الممانعة الذي يضم السودان الى جانب قطر وسوريا وايران والمحور المعتدل الذي تتزعمه مصر والسعودية، وقد أحدث هذا الانقسام حالة من الجفوة وتباعد المواقف بين القاهرة والدوحة، وهو تباعد تخوف كثير من المراقبين أن تنعكس نتائجه بصورة أكبر على القضية السودانية بصورة عامة والحوار الدارفورى الذي تستضيفه قطر بصورة اكبر.
وقد قال السفير الرشيد أبوشامة لـ«الصحافة» ان الزيارة ذات شقين شق متعلق بالعلاقات الخارجية، وآخر متعلق بأمن السودان، مرجحاً أن يكون لها علاقة بتطورات الجنائية الدولية خاصة في ما يتعلق بتأمين بعثة الأمم المتحدة بالسودان، بعد الحديث عن خطر يواجهها حال صدور قرار بحق الرئيس البشير، وقال ابوشامة ان الزيارة تتعلق بالتطورات التى ستنجم عن صدور قرار من الجنائية وهى كثيرة وتتطلب دورا مصريا اكبر في السودان، وأضاف ان مصر ربما جاءتها اشارة من جهات دولية للتدخل بما هو مطلوب لضمان الاستقرار في السودان حال صدور قرار من الجنائية الدولية، وهو دور ربما يكون الهدف منه بحسب ابوشامة التمهيد لصدور القرار بخطوات تضمن الاستقرار، وكذلك بحث موقف الرئيس البشير اذا صدر القرار، واستبعد ابوشامة أن تكون الزيارة نتيجة لموقف السودان من قمة غزة بالدوحة، ولكن في هذه الحالة السودان هو الذي سيبادر لزيارة مصر لشرح موقفه من المشاركة وليس العكس.
وبعد الحرب الاعلامية بين القاهرة والدوحة والتى امتدت لتقاطعات في قضايا كثر، بدأ لكثير من المراقبين قلة الحماس المصري لدور قطري في تسوية النزاع الدارفوري ، وكانت القاهرة قد استضافت وفد حركة العدل والمساواة المفاوض في القاهرة لثلاثة ايام أجرى خلالها مشاورات مع المسؤولين المصريين أدت الى تأخير المفاوضات عن موعدها المحدد الى يوم آخر بعد تأخر الوفد بالقاهرة. ونشرت صحف مصرية اخباراً عن توتر مكتوم في العلاقات الثنائية بين القاهرة والخرطومً.
ولكن الدكتور صفوت صبحي فانوس قال لـ«الصحافة» ان أغلب الملفات بين البلدين لديها علاقة بالوضع الداخلى السودانى والوضع الاقليمي، وهناك تباين في الرؤي بين البلدين حول هذه الملفات، فمصر مثلاً تري بضرورة تعاون السودان مع المحكمة الجنائية وتقديم تنازلات بشأنها وكذلك ملف دارفور، مشيرا الى أن الوفد القادم للتفاوض بحسب رأيه حول الجنائية الدولية ودارفور سيبحث في القضايا التى لا يوجد اتفاق حولها، وقال كذلك هناك تباين في وجهات النظر في بعض القضايا الاقليمية خاصة الموقف من حركة حماس، واضاف فانوس ان ما تعبر عنه الصحف المستقلة المصرية وليس الحكومية من توتر في العلاقات بين البلدين لا يعبر بالضرورة عن موقف الدولة الرسمي ، وليس مؤشراً حقيقياً كذلك لعلاقات البلدين.
وسبق لوزير الخارجية المصري ومدير مخابراتها أن قاما بعدة زيارات للسودان منذ عودة التطبيع للعلاقات بين البلدين، بعد قطيعة امتدت لسنين ، حيث قاما بعدة زيارات الى الخرطوم تزامنت جلها مع تعقيدات شهدتها الساحة السودانية، وقد تكررت تلك الزيارات التى دائماً ما ترتبط بتطورات داخلية كبري. فقد وصلا ابان الخلافات التى نشبت بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى، بغرض المساهمة في طى الخلافات بين شريكي نيفاشا بعد تجميد الحركة الشعبية لنشاط وزارئها في الحكومة المركزية مطلع العام 2007م، والتداعيات التى أفرزتها تلك الخطوة، وكان وزير الخارجية وقتها أحمد ماهر ومدير مخابراتها عمر سليمان قد حلا أيضاً على الخرطوم في زيارة شبيهة كانت بعيد وقوع المفاصلة الشهيرة بين الرئيس البشير وعراب نظامه الدكتور حسن الترابي مطلع العام 2000م.
وفي اثناء الرفض الحكومى للقبول بنشر قوات دولية بدارفور، وبعيد موافقة الخرطوم بنشر القوات الدولية بعد ضغوط مورست عليها، فقد قام وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط، ومدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان، في ابريل 2007م بزيارة الى الخرطوم، سلما من خلالها رسالة للرئيس عمر البشير من الرئيس المصري محمد حسني مبارك تتصل بـ «الأوضاع في دارفور ومواقف مصر تجاهها».
اذاً الخرطوم تتوقع وصول الرجلين اللذين يمسكان بكثير من خيوط اللعبة الدولية، وملفات كثر بين الدولتين تنتظر النظر فيها، فهل تفلح الزيارة في تقديم روشتة العلاج للمآزق المتعلق بالجنائية الدولية ودارفور، أم أنها لنقل رسائل محددة أم أنها ستحدث مزيداً من التباعد والتباين في المواقف بين البلدين؟!!.
خالد البلولة إزيرق :الصحافة [/ALIGN]