مقالات متنوعة

جد غيبونة..

جد غيبونة..
لم أكن أتصور أن أخرج من الغيبونة التي دخلت فيها أو حالة الغضب وخيبة الرجاء التي أحبطتني وذلك يعود لأني توقعتُ من إدارة المرور أكثر مما يمكن أن تفعله. والإحباط أحياناً يكتنفك إذا لم تعرف لمن تتجه؟ وأين ترفع شكواك إذا كانت الجهة التي خاطبتها لم تتكرم حتى بالطبطبة عليك لتقول لك: معليش.. اصبر واحتسب.

في نهاية السبعينيات من القرن الماضي كتبتُ عما أسميته «التلوث اللفظي» وذلك بعد أن قرأت عبارة كتبها أحد سائقي البكاسي على بكسيه تقول «واي.. واي.. خلاني براي» وقبل سنتين أو يزيد كتبتُ عن ذلك التلوث اللفظي عندما صدمتني عبارة كتبها سائق هايص على هايصه وهي تقول «واي.. أنا منك يا الككو !» وأشرت إلى أن تلك العبارة ببذاءتها المعلنة وهي تسير على شوارعنا وأزقتنا هي قمة التلوث اللفظي والأبذأ منها الذين يرون ذلك ولا يفعلون شيئاً بينما في مقدورهم أن يوقفوه عند حده واستغثت بإدارة المرور فكان أن تحرك بكل همة واقتدار سعادة مدير مرور الولاية «آنذاك» اللواء عبد الله أبودومات وأصدر أوامره لرجاله أن يوقفوا أي عربة تحمل مثل تلك الألفاظ الخادشة للحياء مع أمر صاحبها بإزالتها وإلا فلن ترجع له رخصته. ونقل ذلك إلى غرفة أصحاب النقل التي تجاوبت تجاوباً مشهوداً.
واليوم يا عجائب الزمان ! فقد كتبت عما أسميته التلوث الضوضائي أوضحت فيه أن صبية الركشات أدخلوا على ركشاتهم تعديلاً لم يكن فيها عندما وصلت من مصنعيها. وذلك بحرق العادم أو بإضافة علب أو أية تركيبات تُحدث ذلك الصوت المفرقع الذي يرتفع لعنان السماء ليلاً ونهاراً وساعة القيلولة وفي هدأة الليل الساكن ومع الفجر.. وفي منتصف النهار والدنيا مولعة نار وطالبت إدارة المرور أن توقف ذلك العبث الشيطاني الصبياني والقانون في جانبهم. لم نطالب بإيقاف الركشات برغم ما تتسبب فيه من مشكلات بيئية ومرورية لعلمي بأنها إحدى وسائل كسب العيش لمئات الآلاف من الأسر.. فقط طالبنا بإلزام سائقيها بإتباع القانون بالرغم من أنهم لا يلتزمون بأي قانون.. وإلا لما قادوا ركشاتهم في كل الشوارع والطرق الموضح عليها علامة «ممنوع مرور الركشات» مثل شارع المطار وبشير النفيدي «الستين سابقاً» وطرق المرور السريع.. لم نطالب بأي شيء من ذلك.. فقط طالبنا من سعادة السيد مدير إدارة المرور أن يصدر توجيهاته الحازمة لرجاله بإيقاف سائق أية ركشة يصدر منها ذلك الصوت المفرقع الذي يخترق طبلة الأذن وأن يُلزمه بنزع ما ركّبه على العادم وفقاً للقانون الذي يمنع أولاً إضافة أي شيء لم يكن في التصميم الذي أُجيز من قبل السلطات المرخصة وثانياً المركبات التي ترتفع فيها نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون والدخان وثالثاً التي تسبب ضوضاء مثل ذلك البوري العجيب الذي تركِّبه بعض المركبات وهذا الصوت المفرقع الذي يصدر من الركشات.
وعندما لم تتجاوب معنا إدارة المرور خاطبت أبناءنا سائقي الركشات وطلبت منهم ألا يتسببوا في إيذاء الشعب السوداني بتصرفاتهم تلك وناشدتهم أن يصدر ذلك منهم.. ولكن لا حياة لمن تنادي.
فماذا نفعل ؟.. ولمن نتجه؟ هل نخاطب السيد وزير الداخلية؟ أم المجلس الوطني أم حقوق الإنسان أم آلية التفاوض أو وفد التفاوض بين الشمال والحنوب أو بين الشمال وقطاع الشمال.. «أهو حاجات فيها رائحة الحكومة»؟
إن ارتفاع الضوضاء في الأسواق والشوارع ومواقف المواصلات.. يرفع مستوى التوتر عند الأفراد عندما تتعدى الضوضاء الحد المسموح به وقلنا من قبل إن الحد المسموح به هو 70 ــ 80 ديسبل ويُعرف بالصوت الذي يطلقه الصغير في سريره وتسمعه أمه التي تكون في المطبخ ساعة صراخه.. وما عدا ذلك يعد في نطاق التلوث الضوضائي. فكيف يكون الحال عندما يتعدى صوت مفرقع الركشة 500 ديسبل؟ إن الضوضاء لأنها تتسلل إلى المستقبلات السمعية تؤثر مباشرة على التوازن وتحدث توتراً يستمر لمدة طويلة.
يا أخي وصديقي الفريق دكتور عادل العاجب نائب المدير العام للشرطة وقد كنا نلتقي في المنتديات «كالرياح الآسيوية» ونتناقش في الهم البيئي العام وقد كانت آراؤنا متطابقة.. أتذكر عندما شرَّفتني بحضور معرضي التشكيلي عن أكياس البلاستيك في العام قبل الماضي بنادي الشرطة وكنا نتحدث عن أهمية أن يكون هناك عمل ما؟ لا يُعقل أن أكتب عن مشكلات المرور في المملكة العربية السعودية عندما كنتُ أعمل هناك وأكتب عموداً في جريدة البلاد ويأتيني الرد بالشكر والإشادة والعمل بما قدمته من مقترحات من سعادة اللواء المزين مدير إدارة مرور جدة، وأكتب هنا عشرات المقالات عن مشكلات المرور ولا أحد يأبه بها، ما عدا في الحالة الوحيدة التي استجاب فيها مشكوراً سعادة اللواء عبد الله أبودومات كما ذكرت. ليست هذه شكوى ولكنى أقرر حالة عامة عندما نكتب عن أي موضوع عام، وليست إدارة المرور هي حالة خاصة، ولكن معظم المرافق لا تأبه بنا، فما الذي كان سيحدث لو أن إدارة المرور طبَّقت القانون وأصدرت تعليمات واضحة بأنه لن يسمح لأية ركشة أن تجوب الشوارع والأحياء ما لم ينزع سائقها ما زرعه في عادمها من مفرقاعات صوتية تقض مسامع المواطنين:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
آخر الكلام:
دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تُهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سنّ الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد..

الكاتب د. محمد عبد الله الريّح