رأي ومقالات

وقيع الله حمودة شطة : لا مراقبة، لا متابعة.. برلمان الشعب همه محاصصة !!


[JUSTIFY]سّمِي بالمجلس الوطني لأن الهدف من قصد التسمية أن يفهم عضو المجلس الوطني المنتخب أن واجبه الدفاع عن قضايا الوطن والوقوف مع هموم الشعب وتحدياته، وليس الدفاع عن حزبه ونصيب قبيلته وجهته التي أتى منها على حساب المصلحة العامة. وسمِّي بالهيئة التشريعية، لأن الهدف من قصد المشرّع أن يقوم أعضاء هذه الهيئة التشريعية بحماية الدستور من خلال سن القوانين المفسرة لهذا الدستور الموضحة لبنوده، حتى تصلح للتطبيق ومن ثم تخوّل هذه القوانين المستقاة من روح الدستور لأعضاء الهيئة التشريعية مراقبة أداء السلطة التنفيذية والقضاء ومدى التزام هذه السلطات بالدستور الذي هو أصل والقانون فرع عنه ومفسر له، ومن حق المجلس الوطني أن يستدعي من شاء متى شاء إذا رأى أو ثبت له ما يُظهر أن مخالفة في التطبيق أو الإجراء قد وقعت من جهة ما، أو وردت إليه شكوى بذلك أو فاحت رائحة فساد في مؤسسة ما أو غيرها من مهام ينبغي أن يقوم بها المجلس نيابة عن الشعب في مواجهة الفساد الإداري والفساد المالي، والفساد السياسي، والفساد ضد الأمة مجتمعة كفساد الأخلاق والقيم والعقائد، وفساد الدولة ونظام حكم، وفساد تهديد الأمن القومي.. وسمِّي بالبرلمان لاجتماع جميع طوائف أبناء الشعب فيه يمثلون شعب البلد باختلاف جهاته وبيئاته وقبائله ومكوناته الثقافية والحضارية، وهو مكان تنصهر فيه جهود أبناء الشعب الواحد، والوطن الواحد، والأمة الواحدة والهدف من ذلك حصول الالفة بينهم والتعاون بالمعروف لخدمة المصالح العليا للوطن والأمة، ومنع الخلل وعوامل التعرية ونزوات الفرقة والشتات والتنازع.

للأسف الشديد ــ حملت أخبار الصحف وكتابات كثير من الإخوة الإعلاميين الفضائح المجلجلة داخل قبة المجلس الوطني وصراع الأفيال المدربة والقتال بضراوة، لأجل تحقيق مكاسب ذاتية لا تفيد مصلحة الشعب بشيء!.. إنها معارك قتالية شرسة لأجل الظفر بمخصصات مالية إضافية ووجاهات اجتماعية متوهمة، والنحو في اتجاه كسب علاقات إضافية تُدخر لتحصيل المطامح الذاتية الكبرى!.. إنه صراع السلطان والمال! إن صراع واقتتال رجال ونساء المجلس الوطني وتنافسهم غير الشريف في الظفر برئاسة لجان المجلس التي تُعطي صفة وزير لصاحبها توضح مدى الأزمة الأخلاقية التي تعيشها البلاد حتى على مستوى من ينبغي أن يأتي الحل من بين أيديهم! إنها تمثل حالة «السِدادة بالشوك» على باب الدار، يعني ميتة وخراب ديار كما يرد في المثل السوداني السائر.. أيُّها الرجال.. أيُّتها النساء: أفيقوا هل نسيم العهود والمواثيق التي قطعتموها أمام الناخبين ليلة حملاتكم «الإجرامية» عفواً أقصد الانتخابية التي تتفق في خطابها العام حول خدمة الشعب والتصدي لقضاياه من داخل قبة البرلمان والسعي لتوفير الخدمات الأساسية؟ هل نسيم هذه الأمانة؟ أم خنتم الأمانة.. أم كنتم تكذبون حين خاطبتم جموع الشعب؟

إن الفهم السديد الذي ينبغي أن يسير عليه عضو المجلس الوطني هو أن يدرك العضو أنه يستمد قوته وطاقته الدفاعية والرقابية من الذين انتخبوه ـ بعد الله ـ سبحانه وتعالى ـ وليس من الحزب أو الجماعة التي ينتمي إليها لأنها أضيق إطاراً من الأولى، وإلاّ فلا فائدة ولا أمل يرتجى، ولكن في زمن التزلف والتسلق والتزحلق صار كل شيء ذا ذلة كائنًا وباقيًا وهو الأهم إلاّ عند قليلٍ وهم مضطهدون ومكرهون، لأنهم حالة شاذة تعكر صفو التواطؤ على الباطل وبلع الذمم ودفن الرؤوس في الرمال دون الاكتراث لانحسار غطاء «الدُّبر»

إن أسوأ ما في الأمر ليس التكالب والتجاذب على رئاسة اللجان وتحسين الأوضاع ونسيان رسالة الناخبين ليلة التسابق نحو قبة البرلمان، إنما الأسوأ من ذلك كله تولّد ثقافة مشوّهة اسمها التفكير في الترشح ودخول الهيئات التشريعية بشقيها القومي والولائي، هذه الثقافة والموضة غير المسنودة بأطر علمية وموضوعية وإستراتيجية أدخلت إلى باحة هذه المجالس العاطلين عن كل موهبة وقدرات ومهارات علمية وفكرية ناضجة توظف بمهمة للمصالح العليا! والأكثر سوءاً من ذلك دخول مجموعات من هؤلاء العاجزين تحت رايات حزبية تمنحهم «صكوك الغفران» وإن كانوا هم أسوأ الناس في المجتمع الذي يعيشون فيه ويعرفهم الناس بسمائهم ووجوههم في الحي والمسجد والسوق والمدرسة والجامعة.

إن أسوأ الجرائم التي ترتكبها الأحزاب السياسية في السودان، أنها تقدم مرشحيها إلى البرلمان أو الوزارة أو أي مواقع أخرى حتى المواقع التنظيمية داخلها دون الإلمام بملف المرشح الاجتماعي والأخلاقي وكسبه الفكري والعلمي وصلاحية ضميره ومدى إدراكه الذاتي لمفهوم الموقع العام، ثم تحنط هذه الأحزاب هؤلاء المرشحين بداء اسمه «عليك بالخمسة»! وهل تدري ــ أيها القارئ الكريم ــ ما معنى الخمسة؟ معناها أن تضع أصابعك الخمسة على «فيك» تصمت ولا تتكلم، وإن فعلت ذلك بعدها القيادة تضمن لك أدوات التمكين الخمس «الولية، والماهية والسفرية والعربية و…» وهذا بيت الداء الذي أعجز كل نطاسٍ وجراح وطبيب، وقعد بكل صحوة إصلاح وحالة مكافحة للفساد والاستبداد فاعلم هذا عين اليقين. والأسوأ من كل ما ذكرناه أن يأتي مجلس وطني أو ولائي غير متوازن سياسياً واجتماعياً، أما بغلبة حزب سياسي معين غلبة فاحشة تفرض كل شيء حسب هواها، أو مجموعة أعضاء يعيشون في بروج تاجية لا يدرون عن أحوال بني الغبراء في الأحياء الشعبية وأطراف المدن والأرياف شيئاً! وهؤلاء يجتمعون يطبلون ويتمرغون في نعمة المكاتب والتكييف المركزي وروعة عطور المكاتب يقبضون الحوافز والمرتبات وينشئون الشركات والبيوتات استثماراً للعلاقات والصلات، ولكن لا علاقة لهم بهموم المواطن والشعب والأمة، وإن جاءت الحارة هم أول من يفتح صندوق القتال! لكنهم أشاوس وشجعان في معارك رئاسة اللجان داخل قبة البرلمان. إن الحل لمثل هذا العبث يكمن في أن يعرف أولاً: المرشح لماذا هو ذاهب إلى البرلمان.. ثانياً: أن تعمق الأحزاب السياسية فكرة اختيار القوي الأمين بمعناها الشرعي الذي عناه القرآن الكريم وليس بمعناها الشعاري اللفظي الذي استُهلك كثيراً.. ثالثاً: لا بد للشعب من أخذ العبرة والدرس من تجربة الفاشلين الذين صوَّت لهم الشعب وتواروا من يوم فوزهم ولم يظهروا حتى لأجل إلقاء كلمة الشكر دع عنك حمل رسالة المجتمع الذي خرجوا منه.. رابعاً: أن يثبت في عقل الدولة والحكومة أن وجود معارضة راشدة بعدد كبير داخل قبة البرلمان يعني وجود حكومة قوية مسؤولة وأمينة ومعارضة وطنية قوية وبصيرة والنتيجة دولة عزيزة متطورة وشعب أبيٌّ داعم.

خامساً: لا بد من نظام جديد يرتقي بلجنة شؤون المجلس يعالج هذا التباري غير الشريف والبلد مقبل على استحقاق انتخابي جديد في ضوء مطلوبات الدستور الدائم والوفاق الوطني وإنهاء الحروبات وتحقيق السّلام العادل وتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري وهزيمة الفساد.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]