رأي ومقالات

علي الصادق البصير : صنع في سجن كوبر

[JUSTIFY]نستطيع القول إن العقلية التي تدار بها مؤسسة السجن الاتحادي بالخرطوم بحري يتوجب أن تدار بها كل مؤسسات السجون والإصلاح بالبلاد، فما عاد «سجن كوبر» مرتبطاً بتلك الصورة الذهنية التي رسخها المستعمر، ولم تعد تلك البناية المحاطة بالديدبانات والدبابات كما يعرفها الجميع، بل تحولت لمؤسسة مجتمعية متفاعلة مع نفسها ومع من هم حولها.

فجملة «صنع بالسجن الاتحادي» كانت شعاراً للمعرض الأول الذي يقام داخل السجن، وفيه من الإدهاش ما تعجز عنه التعابير، فالكل هناك مشغول بما كسبت أيديهم وبما ترقت مداركهم.. تحول البسطاء من النزلاء الى محترفين وصناعية مهرة تحدثت عنهم تلك الأعمال الساحرة، فعند مدخل المعرض يقف دولاب فخيم بإمكانه أن يقف بأكبر معرض أثاث وموبيليا بالخرطوم، وحواليه ثلاثة شباب قبل أن يجعلوه بهذا المستوى ما كانوا يفرقون بين الإزميل والمنشار، وعند الناحية اليمنى يقع على ناظريك مجسم لمسجد النور بالخرطوم بحري إن لم يخبرك صاحبه بأنه نزيل لم ير المسجد إلا من الخارج لظننت أن من صممه هو ذلك المهندس التركي، والأجمل من ذلك أنه استخدم نواة البلح في هذا المجسم، ويجاور ذلك عملاً فنياً من الصدف الزاهي أشرف عليه البروفيسور العلامة عبده عثمان بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.

وبالجانب الآخر من المعرض استطاع النزلاء ان يعيدوا تاريخ صناعة الغزل والنسيج، فالاقمشة التي استخدمت هناك تم نسجها بدقة متناهية، بل ما نسج بها كان يحمل عبارة «صنع في سجن كوبر».

ولم تقم الفكرة التي زرع نواتها الطيبة اللواء «مبدع» عمر عبد الماجد مدير سجن كوبرعلى الإنتاج والتسويق بقدر قيامها على إصلاح النزلاء الذين قادتهم الظروف لهذا الموقع، وقد نجحت إدارة السجن في التعبير عن مخرجات جهدها النبيل في الإصلاح، فكان لاختيار المكان والزمان دلالات يعرفها الحاذقون والحادبون على المصلحة العامة.

استمتعت وجميع الزوار من المواطنين بهذا المعرض الذي عجزنا عن تقديمه للعالم بكل عبقرياته وتجلياته، وعجزت كذلك إدارة الإعلام الشرطي عن تسويق هذا الزخم رغم سماحها للإعلام المختلف بالوقوف على التجربة الزاخرة بالمضامين الإنسانية، وعجزت الإدارة العامة للسجون عن عرض بضاعتها كعجزها عن نقل التجربة لكل مؤسسات الإصلاح بالسودان.

وبهذا تستحق إدارة السجن الاتحادي أن تعزز جهودها وبرامجها الإصلاحية، وتستحق أن تعمم التجربة.

أفق قبل الأخير
المعرض أثبت أن السجن الاتحادي بكوبر تجاوز أحاديث حقوق الإنسان، وتجاوز شماعة الإمكانات الشحيحة.. فمن يتحدثنا عن هذه التجربة؟
أفق أخير
حديثنا لم ينتهِ.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]