تحقيقات وتقارير

الخرطوم وواشنطون.. بعيداً عن العوازل و(قالوا إيه)

[JUSTIFY]لا يزال البعض يحتفظ بتلك العبارة التي نسبت لأحد أبرز قيادات الإنقاذ في سنواتها الباكرة: “عندما ترضى عنا أمريكا فنحن نسير في الاتجاه الخاطئ”.. لو صدقت تلك العبارة أم لم تصدق فهي بلا شك كانت تجسد ما تبقى من الإستراتيجية القديمة، نبرة صارخة توجت بقذف مصنع الشفاء وإدراج اسم السودان في قائمة الدول الراعية للأرهاب، لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر في ما بعد وانتهت بلحظات غزل على مرأى من العدسات، تمضي السنوات وتتغير الكثير من الوجوه والرؤى فتنجح كريمات تفتيح البشرة السياسية إلى حد ما في تغيير الصبغة الإسلامية الثائرة بلون يميل إلى الانفتاح نحو الأخر ويختفي الصقور، يصبح خصوم الأمس في محاولة احتضانهم بعد لعبة (عض الأصابع) هم الأجمل حضورا.
وبالرغم من أن سياسة العصا الدامية والجزرة الطاعمة ظلت هي ديدن المناورة بين الخرطوم وحكومات واشنطن المتعاقبة في الظاهر ـ على الأقل ـ إلا أن المصالح كانت غالبة في كثير من الأحيان، وكانت ثمة علاقة مكتومة أشبه بالزواج العرفي، كل شيء يتم بعيداً عن العيون والكاميرات، حتى المراسم الفرايحية.
وثبة أمريكية
فجأة يتداول الشارع ورقة قدمها المعهد الأمريكي للسلام والتي حررت بواسطة كل من جون تيمن مدير برنامج أفريقيا بالمعهد وبريستون ليمان المبعوث الأمريكي السابق الخاص لدولتي السودان وجنوب السودان حول الحوار الوطني في السودان، بالتزامن مع خطاب الرئيس البشير في قاعة الصادقة.. ثمة تشابه بين خطوات الوثبة وخارطة الطريق الأمريكية، قد تكون طبيعة الإحساس المزمن بالتوهان، ولربما توافقت القناعات، فليس ثمة ما هو مطلوب سوى الحوار، وهي الإشارة التي التقطتها القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
العوزال قالوا إيه
المعارضة السودانية سلكت طريقاً مغايراً هذه المرة بخلاف طريق الوقيعة بين الخرطوم وواشنطون ولعب دور العزول كما الأغنية ذائعة الصيت (العوزال قالوا إيه قالوا بيحب) بل مضت إلى الإقرار بوهم كل من يظن أن الإدارة الأمريكية تعمل لإسقاط النظام في الخرطوم.
رئيس اللجنة السياسية لتحالف قوى المعارضة محمد ضياء الدين لفت إلى دعم الإدارة الأمريكية وعدد من الدول الغربية للمؤتمر الوطني للاستمرار في السلطة، وقال عضو التحالف في تصريحات صحفية إن من يظن أن واشنطن تخطط لإسقاط النظام أو تغييره فهو واهم، حسناً قد تذهب بعض التأويلات إلى أن موقف ضياء الدين شخصي ومنبعه بالأساس تباين أيديولجي بين البعث والمشروع الأمريكي، امتد إلى صراع تاريخي في جغرافيات ملتهبة.
أوه خرطوم أوه واشنطون
من الاختراقات التي فتل على جديلتها الإعلام قبل أشهر من زيارة الدكتور نافع علي نافع إلى امريكا، ما بين التأجيل والتأخير، وثار لغط طويل حول قيام الزيارة في حد ذاتها.. ذهب نافع متدحرجاً مع كرة ثلج التغيير، لكن حديث مدير جهاز الأمن السابق صلاح قوش بدا هو الأكثر إثارة، قوش ظهر في حوار ملتهب مع (اليوم التالي) أكد فيه بالحرف أن: الـ”سي آي إيه” دافعت عن السودان داخل أمريكا” ثمة معان تختبئ في تضاعيف تلك العبارة آنفة الذكر، حتى صوت اليسار هو الآخر يخفت شئياً فشيئاً (أنا مأزوم .. مأزوم .. مأزوم، يا خرطوم أزمني الصلبك فوق الطلحة الأمريكية.. أوه خرطوم.. أوه واشنطوم).
لكن الخرطوم لم تتوقف عن التلويح بإشارات الغزل، ورد ذلك في آخر تقرير تبرع به وزير الخارجية من فوق منصة البرلمان، كرتي هاجم بريطانيا وشكر أمريكا على مساعدتها السودان في مجلس حقوق الإنسان.. العرفان مرده إخراج السودان من البند الرابع في العقوبات إلى البند العاشر وهو تخفيف تدريجي بحسب وجهة النظر الدبلوماسية.
دمعة وفية
بالطبع لا يمكن أن نغفل تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي المغادر جوزيف إستافورد في أن بلاده راغبة في التغلب على التحديات التي تواجه العلاقة الثنائية مع الخرطوم عبر الحوار، وفي ما بعد ارتدى ستافورد جبة الصوفية ولحية أنصار السنة وتلذذ بالفتة، وقبيل أن يغادر ذرف دمعة حارة ومضى يحدوه أمل بأن الأطراف ستهتدي إلى طريق الحوار والسلام.
العلاقة المكتومة
يبقى السؤال شاخصا: من الذي يعيق تلك العلاقة التي بدأ يجهر بها الطرفان؟، العلاقة المكتومة التي عجز الكثيرون عن إيجاد وصف لها، وبالرغم من ذلك التشويش لم تنقطع موجة الاتصالات واللقاءات المتكررة وإنما انفتحت القنوات حتى داخل مجموعات المجاهدين بالمؤتمر الوطني التي دعمت ذلك المسار، مسار الحوار مع أمريكا وأدرجه السائحون في باب جلب المنافع.
إدانة مبطنة
تماسات المصالح أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على الضغط على حكومة الجنوب للقبول بالسلام ونتج عن ذلك الضغط اعتذار من سلفاكير قبل زهاء العام إلى أوباما بأن كل ما كان يردده لرئيس أكبر دولة هو محض كذب، وسائل الضغط التي لم تستبن مآربها صدرت من أكثر من منبر أمريكي، كان آخرها إدانة اعتداء الجبهة الثورية على أبوكرشولا وقصف كادوقلي بالكاتيوشا، لم تكتف أمريكا بالتلويح بالمناديل الحمراء للخرطوم وإنما برز اتجاه ناقد لمحاولة تغيير النظام بالقوة، ذروته ما طفق يردده مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق للسودان أندرو ناتسيوس، قال الرجل ساعتئذٍ إن تحالف الجبهة الثورية الذي يقوده مالك عقار لإطاحة حكومة الرئيس عمر البشير يفتقر للرؤية السياسية، مشيراً إلى أن ما يجمعهم فقط هو كراهية الرئيس البشير ونظامه. واستبعد ناتسيوس في مقال نشره بصحيفة “نيويورك تايمز الأمريكية” قبل أشهر إمكانية إطاحة الحكومة بواسطة تحالف الجبهة الثورية، ناتسيوس يتبنى وجهة نظر لا يمكن بترها على تحركات أمريكية سابقة ولاحقة، بدا واضحا، أنها تسوق الجميع إلى طاولة الحوار في أديس أبابا منتصف فبراير الجاري.
إشهار ورقة الزواج العرفي
حديث ناتسيويس ومغادرة إستافورد المفاجئة، وورقة الحوار الأمريكي لخلاص السودان من عذاباته، وما رشح عن معلومات عن علاقة وطيدة لإستافورد تربطه بأقطاب النظام هي التي عجلت برحيله، وإشارات البيت الأبيض وقبلها نصائح هيلاري كيلنتون لجوبا، كلها برأي المحللين مؤشرات تدعم نبرة التفاؤل لينتهي الحوار المتصل إلى صيغة شاهدة ولو كانت أشبه بصيغة الزواج العرفي الذي يتم في الغالب بالتراضي، ويخرج للعلن في وقت مناسب، وربما يرتقي إلى الإشهار وبالتالي تفقد العلاقة خصوصيتها لوجود طرف ثالث، ذاك الزواج تحكمه شروط معروفة بالضرورة وكان من ضمنها رهن التطبيع مع الخرطوم بالاتفاق مع جوبا، وهو أمر حدث في ما بعد، ظهر ذلك جلياً في تبادل الزيارات وهبوط طائرة البشير في جوبا رغم النيران، وهي نفس النبرة التي تحدث بها المبعوث الأمريكي الخاص للسودان برينستون ليمان أثناء تشخيصه لمستقبل العلاقة بين الخرطوم وواشنطن، ومع ذلك يشعر الكثيرون بأن هنالك شيئا غامض يجري خلف الكواليس

عزمي عبد الرازق: صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. أغنية الدقو منو دي حقت نافع الما نافع …

    الرآجل ديه مشتاق ينضرب تاني .. السودانين بأمريكا كارهين اليوم الولدوا فيه نافع ديه … يا ريت لو سافر أميركا ينضرب ضرب قرائب الأبل …

    يعني الما نافع ديه لسه موجود بالحكومة ما فنشوه من زمان وطردوه من الحكومة يعني لسه لآصق فيها …

    لعنة الله عليك يا نافع وربنا يأخدك في ستين دهيه…. قولوا معاي يا رب …ركشه تدقشوا وتكسر رجليه الآتنين ويديه الأتنين ….