رأي ومقالات
غريب الدارين ……أعزائي أطباء الأسنان ….إني أعتذر
طبيب الأسنان حتى لو طلب منك مجرد أن تفتح فمك …..أو ابتسم …فلا تظننّ أن الليث يبتسم .
واليوم بكامل قواي العقلية ….لم يجبرني أحد …وما تعرضت لعملية خطف إرهابية …ولا كنت مسحورا لقيت خطاي ساقتني ليك ! نحو مستشفى الأسنان ! لعمل جسر …وما كنت أعرف أن الجسور تريد الكثير المثير الخطر
وأجلسني النطاسي البارع….وفحص وسأل واستفسر ثم قال العملية الكبرى سيسبقها خطوات تمهد لها الطريق !…ثم ماذا ؟ هذه الخطوات لأنها بسيطة سيقوم بها الطلاب المتدربون ! فصحت فزعا ..من ؟ متى ؟ كيف ؟ في طولك …في عرضك يا دكتووور …لا تجعلني فأر تجارب لطلابك المتدربين ….بحق المواطنة …لم تجدي المواطنة …بحق الزمالة ! وما من استجابة ومامن خبر ..بل ألح إلحاحا وأصر إصرارا …وساق الأمثلة والشواهد تباعا ثم الإقناعات …فاستسلمت مرغما لمصيري المحتوم وتفاؤلا بقوله تعالى ” عسى أن تكرهوا شيئا هو خير لكم ” .
وصادف هذا اليوم لحظي الذي يفلق الصخر وليس حظا ” كدقيق فوق شوك نثروه” مرور استشاريين فاصطادوني على حين غفلة …ثم قادوني وهم فرحون بصيدهم الثمين لصغارهم الذين هم مشاريع المستقبل الزاهر …سرت معهم كحمل وديع يساق إلى الذبح …….رأيتهم بأم عيني …سمعتهم بأذني التي سيأكلها الدود وهم يشرحون لصغار الإرهابيين” أقصد المتدربين” خطوات العمل .
ودلفنا ” حلوة دلفنا دي ” إلى غرفة الاموات ” أعني العمليات” …فأرقدوني وجسمي متصلب وأعصابي متوترة وأحاطوني بأدواتهم التي كانت في مجموعها مثاقيب ….وسرعان ما لحق بهم كبيرهم من الاستشاريين الذي سيعلمهم الذبح أقصد العلم – وجلس أمامي وامتدت يده لواحد من أسلحتهم الفتاكة ….وبدأ يشرح ….يا للكارثة ! المتدربون سيمارسون عملهم لأول مرة …وقد خدعوني وقالوا لي يالكذبهم إنها ليست المرة الأولى… ولم أسكت فوجهت لمستشارهم الهمام ملاحظتي فاندهش ! لم يصدق أني أتابعه وأنا فاهم ! ؟ وهل كنت تحسبني جاهلا ستتركه لطلابك ينهشونه ؟ فتحايل وراوغ بأنه يدربهم على جهاز جديد ! ولكن ذلك الجهاز سبق له أن اقتحم فمي ! فأي تضليل وأي ذرً للرماد في السنون ” أقصد العيون”
إذن وقع المقدور ! سأكون التجربة الأولى لهؤلاء الناشطين !
وعزت علي نفسي أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا ….متى أضع العمامة يعرفوني !
فحاورت نفسي وقد طارت شعاعا ” من الطلاب” ويحك لن تراعي
فإنك لو سألتِ بقاء يومٍ على الأجل الذي لكِ لن تطاعي
فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع
واقتحم الشباب قلعتي المنيعة وبدأوا تشخيصا غريبا لأسناني التي أعرفها سنا سنا وضرسا ضرسا …وكأنهم يتكلمون عن شيء لا علاقة لي به ….واحد يشخص والآخر يسجل : السن الخامسة بالفك الأعلى معوجة …والأخر الثامنة بالفك الأسفل منحرفة ” أعوذ بالله” منحرفة وأنا آخر من يعلم ! وهكذا مضوا في أوصافهم سادرون غير عابئين بالرجل الممدد وفي أثوابه أسد هزيل . كل ذلك كان خطوات أولى …مجرد لعب عيال !
وبدأنا العمل الجاااد ! وتزاحمت المثاقب داخل فمي …مثقاب مائي يحفر وآخر يشفط الماء ! ودمي يهدر ويسيل …شباب ما هذا ؟ قالوا : لاشيء ! أرى دمي وتقولون لا شيء !
قرابة ساعة وأنا أتململ …أغمض عيني كي أجنب نفسي ما لا ييسرها …وانتهينا من الفك الاسفل .
ها أيها الأشاوس وماذا بشأن الفك الأعلى ؟ تشاوروا وفكروا ودبروا ثم قالوا إيش رأيك جلسة تانية ؟ جلسة ثانية ؟! هل أبدو لكم مجنونا ؟ سكرانا ؟ هو اليوم لا غيره ” حمامة بر أو موت بالمر” …وهل تظنون إني إذا خرجت سأعود ؟ لا وألف كلا …خروج دون عودة ….لا جسر …لا كباري …وسأرضى من الغنيمة بالإياب .
ومسكوا الفك الأعلى وكانوا فعلا متدربين فأداتهم تروح ذات اليمين ووأخرى ذات الشمال في رحلةٍ مجهولة الأمد … وأصاب اللثة ما أصابها ولم يسلم اللسان السليط من الأذى ….وانتهوا …لكنهم استبقوني …ماذا هناك ؟ قالوا التلميع ! ومن قال لكم أريد أسنانا لامعة …فهذا ترف ليس هذا يومه بعد الذي جرى …قالوا لابد …وجيء بأداة أخرى وما أكثر أدواتهم ..فإذا سمعت صوتها حسبت نفسك في ورشة للسيارات .
ثم انتهوا ….لكن لم يخل الأمر من محمدة ! أوتدرون ماهي ؟ الطلاب المتدربون …مجرد أشبال فزعة خائفة تخرج لأول مرة من عرينها لدنيا مازالت مجهولة و خاصة في يوم يمر فيه الاستشاريون …فيمكن لك أن تزجر وتنهر وتزأر …وهم معدومي الحيلة يحايلونك ويطبطبون ويتملقون حتى يضمنوا صمتك …ويمكنك أن تكون ابتزازيا معهم ..وذلك ما لا تجده مع الضرغام…فذاك المتمرس أنت تحت سلطته يفعل فيك مايشاء وأنت لا حيلة لا قدرة…ممنوع من الكلام مع أن فمك مفتوح على اتساعه ! ولكن هل تستطيع أن تتفوه بكلمة ؟ وأنى لك ذلك وأداة في داخله …والرجل يقف على رأسك كعزرائيل ؟
إلى اللقاء مع العملية الكبرى بعد أيام قلائل
غريب الدارين
تصويب :الآية
” وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” البقرةالآية 216