أحمد يوسف التاي : العابثون بمال الشعب
قبل أيام قرأنا أخباراً تتحدث عن إغلاق عدد من البنوك الأجنبية في أوروبا والشرق الأقصى والبلاد العربية والإسلامية والصين لحسابات بنوك سودانية، الأمر الذي سيؤدي إلى وقف التحويلات والاعتمادات للصادر والوارد من وإلى البلاد، في وقت شكا فيه عدد من الموردين والمصدرين من صعوبات كبيرة تواجههم في فتح الاعتمادات بالبنوك الخارجية. وأقرَّ مسؤولون بإدارة التفتيش المركزي ببنك السودان بأن ثلاثة بنوك سودانية تسلمت خطابات رسمية تخطرها بوقف التعاملات المالية والتجارية معها.
وأرجع الخبير الاقتصادي كمال كرار الخطوة لوجود التزامات مالية سابقة على البنوك السودانية خلقت سمعة سيئة لها مما سيحرمها من مصادر التمويل الدولية، وعدَّها عدم ثقة في الجهاز المصرفي السوداني، مؤكداً أن القطاع منذ أسلمته أصبح لا يخدم إلا مصلحة النخبة الحاكمة.
وبمناسبة النخبة الحاكمة التي انتهى إليها حديث الخبير و «عمائلها» في البنوك، أود أن أورد قصة حقيقية تجسد هذه المأساة، وهي أن أحد أصحاب «الدقون» جاء ذات مرة يتأبط «فائلاً» يحتوي على شهادات كضمان لتمويل كان قد طلبه من أحد البنوك الحكومية، وما أن دخل على المدير حتى قام الأخير من مقعده وعانق «الشيخ أبو دقن» وهو يصيح الله أكبر الله أكبر، أهلاً بالشيخ المجاهد، ثم تسلم منه «الفائل» وصدّق له التمويل المطلوب دون تفحُص أو تدبُر، وعندما دفع المدير بالأوراق إلى الموظف المعني كانت مفاجأة الموظف بضعف الضمانات المرفقة للحصول على التمويل، فأخذ الأوراق ووضعها أمام المدير ظناً منه أن هذا الأمر فات سهواً عليه، ونبهه بكل احترام: يا سعادتك الضمانات دي ما كافية ولا تتناسب إطلاقاً مع حجم التمويل المطلوب، فانتهره المدير وكتب له على تلك الأوراق عبارة: «يكفي رصيده من الإيمان»!!
وهل أنتم بحاجة سادتي القراء لأذكركم بقصة الموظف الصغير«23 عاماً» الذي كان يعمل بقسم المقاصة بأحد البنوك الحكومية العريقة وسطا على مبلغ «7» مليارات، ولم يكتشفه أحد إلا بعدما ظهرت عليه ملامح الثراء المجنون، وأصبح يهدي السيارات الفارهة لأصحابه وأصدقائه وصديقاته، مما قاد رجال من الأمن لإلقاء القبض عليه وحمله على الاعتراف أمام نيابة الثراء الحرام، وحتى بعد اعترافه ما كان مدير بنك «الهنا» يعلم شيئاً عن المبلغ المنهوب، وأكد أمام النيابة أنه لا يدري شيئاً عن هذا الأمر.. هكذا انهارت بعض بنوكنا وضاعت أموال الشعب، بسبب غياب الضمانات والرقابة والإهمال وعدم الكفاءة، فتى تعود الثقة إلى هذا القطاع الإستراتيجي الحيوى؟ ومتى يحال بينه وبين أيدي العابثين؟!
صحيفة الإنتباهة