منى سلمان

بين الدغالة والانبهال !!


بين الدغالة والانبهال !!
كانت لنا جارة في مقام وربما سن والدتنا، ولكنها تتحلى بالفرائحية وروح الشباب .. تحب مؤانستنا ونبحث نحن عن أنسها وونستها اللذيذة، وكانت كلما أرادت ان تخصنا بسر أو حديث (سرورة) خاص، لا يحق لمن مثلنا الاطلاع عليه .. لنقص السن أو الخبرة أو الاختصاص .. مالت إلى مجلسنا وقالت بعد أن تمد رأسها للأمام وتخفض صوتها مع ادعاء للاهمية، يجعلنا نحرص على الاقتراب منها كي لا يفوتنا الاستماع
، قبل أن تقول بحميمية تشوبها درجة عالية من الشمارية:
عاد يا اخياتي ما منكن مدسّة .. أنتن زي بناتي واحد .. لكن ما شفتن حصل وحصل !!
لازمة جارتنا كانت حال (بثينة) مع زوجها، فقد كانت لا تستطيع أن تخفي عنه سرا، مهما كان حجمه أو مقدار أهميته .. خبارات نسوة الحي أول بأول، كانت تصل لزوجها ما ان يتمدد في المغربية على فراشه في السرير المقابل لمرقدها في الحوش .. مكاجنات زوجات اخوتها مع أمها، ولماضات شقيقاتها مع حمواتهن والنسابة .. فلس فلان ونكبة عليتان من ذوي قرابتها .. عشق فلانة لود ناس فلان من بني عزوتها!!
بل كان لها عادة من أسوء العادات حسب فهم الحريم، وهي ممارستها لـ الشفافية المحاسبية ونقاء الذمة المالية، وذلك بكشفها لأوراق الميزانية المنزلية لزوجها ورقة ورقة، وضبطتها لميزان المنصرفات ليتوازن مع الايرادات دون أي (شبرتتات أو خنصرات، ناهيك عن الاختلاسات واللعب بالتلات ورقات لزوم الدخول في الختات وشراء الدهيبات ..
لامتها خليصاتها من مغبة الانبهال وكشف الحال الذي تمارسه مع زوجها، ونصحتها بعض كبيرات العائلة بـ:
يا بتي .. الراجل ده زي ضل الضحي ما تآمني ليهو ولا تديهو سرك .. بكرة ينقلب عليك
.. يشمت ويشمت فيك !!
هل سألنا انفسنا يا حروم كم منا تشابه (بثينة) أم لسانا خفيف وقلبا رهيف ؟ هل نحتفظ بأسرارنا الخاصة التي تتعلق بنا أو بخصوصية علاقتنا بالأهل، خلف جدار من الصمت الكتوم بعيدا عن فضول الازواج؟! أم اننا كتاب مفتوح أمام الزوج يحفظ كل مافيه ظاهرا وباطنا ؟!
هناك من يحذر من مخاطر كشف الزوجة لشريكها بكافة اسرارها، فالصراحة الشديدة مثلا بخصوص مشاكل أسرتك واخطاء افرادها الشخصية، قد تصنع حاجز بين زوجك وبينهم، وتدفعه لتكون رأي سلبي ضدهم وقد يعايرك ويعيب عليك مساوئ أهلك، ويأخذك بجريرة ذنوبهم بزعم (ألدي يا ولادة والعروق جبادة)، لذلك هناك نساء يفهمن طبيعة ازواجهن، فيتعاملن مع هذه الطبيعة بشيء من الحرص والانتباه، فلا يندلقن لفت الاسرار خاصة فيما يتعلق بعائلة الزوجة أو خبايا صديقاتها ..
هناك من تنتهج نهج الصراحة الـ (بثينية) في علاقتها مع الزوج .. والفولة ما بتتبل في خشمها، تقوم بنشر دفاتر يومياتها امامه منذ ميلادها وإلى يوم لقياه، بفهم أن الصراحة أفضل بكثير من الغموض بين الزوجين، وتنسى اؤليك الغبيانات، أن غالبية الازواج يميلون للتكتم ولا يتصارحوا مع شريكات حياتهم إلا فيما يخص القفة وتربية العيال .. أشمعنا ؟!
هناك من تؤكد على أهمية رفع الزوجة كافة ستائر الاسرار ولا تخفي عن شريكها شيئا، حتى تصبح بذلك موضع ثقة من جانبه، لأن الشكوك لو تملكت عقل الرجل تجاه زوجته وانها تخفي عنه سرا فستتحول الحياة الزوجية بينهم الى جحيم، ولكن من جانب اخر هناك من تنتهج نهج المكر والخديعة، فتظهر بمظهر الصريحة مكشوفة الاوراق، ولكن ما تلك الصراحة المزيفة الا جدار عازل يخفي خلفه شخصيتها الحقيقية .. الكلام في وادي والحاصل جد في وادي تاني، ومثل هذه الزوجة تكون بالذكاء حيث تطعم كلامها دائما بدرجة من الحقيقة، لتكسب نفسها المصداقية اللازمة في حالة كون أن الزوج قام صدفة بكشف الملعوب و(كل شيك انكشف وبان) على قول المدبولي !!
على كل حال، الوسطية دائما هي خير الامور، مع الحرص على التواجد في المنطقة الوسطى ما بين (الدغالة) و(الانبهال) .. صراحة الزوجـة الشديدة والتي تحولها لكتاب مفتوح يسهل قراءة ما فيه، قد يبعث على الملل الشديد، فالمرأة الذكية هي التي تستطيع ان تجمع بين الصدق والذكاء بجانب درجة من الغموض، تجعل الزوج دائما في رحلة تشوق لسماع ما عندها أو يطلب المزيد .. تذكري عزيزتي الزوجة الكلام ده وختي حلق في اضانك قبل أن تنداحي حكيا لابو العيال على طريقة (ما منك مدسّة يا ود أمي ) !!

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]