تحقيقات وتقارير

العلاقات السودانية الأميركية.. تراجع العصا وتقديم الجزرة ..!!

[JUSTIFY](السودان بلد مستقر ولا يستحق فرض العقوبات الأمريكية عليه).. هكذا لخص سوني لي ممثل الحزب الجمهوري قضية العقوبات في تصريح له أثناء زيارته للسودان بدعوة من المجلس الوطني هذه الأيام، مشيراً إلى أن بلاده فقدت فرصاً استثمارية واسعة للاستثمار في بترول السودان، وذلك بعد لقائه بعدد من المسؤولين في الحكومة على رأسهم مساعد رئيس الجمهورية بروفيسور غندور، وكذلك وزير النفط مكاوي محمد عوض، الشاهد أن حديث «لي» جاء مطابقاً لما صرح به الرئيس الأسبق جيمي كارتر عقب زيارته الأخيرة للسودان، وقوله إنه لحظ إصراراً غير مسبوق من الرئيس البشير لإحداث التغيير ودور السودان الإيجابي تجاه الأزمات بدول الجوار، وعمله على الاستقرار، وكشف عن لقاءاته مع جميع قيادات البلاد والوزراء السابقين، وكيف قد لمس فيهم الرغبة القوية في التغيير وأهمية رفع العقوبات الأمريكية عن السودان ليلعب دوره الاقتصادي والسياسي في الإقليم، وبحسب وصف كارتر أن السودان الآن جار غير عنيف، ومؤهل للعب أدوار كبرى للاستقرار في المنطقة.. وفي ظل هذه التصريحات الإيجابية من رجال سياسة وفكر أمريكيين لهم دورهم في تغيير الرأي العام الأمريكي، يتبادر سؤال إلى ذهن المراقب، هل بدأت مرحلة جديدة في العلاقات السودانية الأمريكية، أم أنها ذات الأسطوانة التي ظلت تتكرر مابين عصا مخفوضة وجزرة متقدمة؟!

قصة الجزرة والعصا:

لطالما تقدم أمريكا العصا حين تهديد والجزرة حين ترغيب في كثير من مشاهدها وتعاملها مع السودان في عدة قضايا ضد السودان، لتضع العلاقات السودانية الأمريكية في منطقتها الضبابية المتأرجحة دوماً لعدة سنوات، فآخرها كانت في خبر إلغاء واشنطن لزيارة دكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية الأسبق إلى الولايات المتحدة، وهي الدعوة التي جاءت من الولايات المتحدة في إطار التشاورات والحوارات ما بين البلدين، ولكن نائب المبعوث الأمريكي في تصريحات صحفية عقب جلسة مجلس النواب الأمريكي بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان، أعلن أنهم علقوا الدعوة للحكومة السودانية للحضور إلى الولايات الأمريكية والتي أطلقوها، وعزوا الأسباب حينها إلى تعليق الخرطوم لتنفيذ الاتفاقيات مع دولة جنوب السودان.. فيما نفى المؤتمر الوطني علمه بتأجيل الزيارة رسمياً، وأكد أن طلب الزيارة جاء من الولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر، ولم يتم اتفاق على برامج للزيارة، وزاد بحسب حديث د.نافع علي نافع أن المؤتمر الوطني لن يخسر شيئاً لأنه لم يطلب الزيارة، وأن هذا شأن الولايات المتحدة، مؤكداً استعداد الحكومة للتشاور والحوار.. وهذا مثال واحد لكثير من القرارات الأمريكية بشأن العلاقات مع السودان.. والآن يعود حديث الجزرة والمكافأة للسودان والإشادة بدوره تجاه الحرب التي اندلعت في دولة جنوب السودان، خاصة موقف السودان في استقبال لاجئي الحرب، وهذا الموقف الذي وجد ترحيباً قوياً من كل الدول الغربية وأمريكا أيضاً.
أمريكا وسياسة الترغيب والترهيب

لم تتغير سياستها أبداً، هكذا ابتدر المحلل السياسي جمال رستم حديثه لآخر لحظة حول العلاقات السودانية الأمريكية، فقال إنها ظلت تراوح مكانها وهي مرتبطة بقضية الجنوب قبل وأثناء وبعد الحرب، وحتى بعد أن تم انفصال دولة الجنوب ظلت أمريكا في ذات أجندتها الضاغطة ضد حكومة الخرطوم، لتملأ عليها شروطها، وزاد رستم في قراءته التحليلية بأن السودان ظل يقدم الكثير لأمريكا في العديد من الملفات، ابتداءً من ملف الإرهاب وانتهاءً بملف اتفاقية السلام والتوقيع، لكن كل هذا لم يجعل من الولايات الأمريكية أن تطبع العلاقات وتبدأ مرحلة جديدة، فهي مازالت تمارس سياسة الترغيب والترهيب- على حسب وصفه- وأضاف رستم أن هذه السياسة تتبناها جماعات ضغط ولوبى صهيوني تعمل بصورة مستمرة لكسر السودان وتقسيمه ودفع القرارات لمحاصرته وعدم رفع العقوبات وإعفاء الديون عنه، رغم كثرة زيارات المبعوثين للسودان وتغيرهم، لكنها كانت في إطار النفس الطويل والمماطلة والوعود، ونشر الصورة السالبة عن السودان- قضية دارفور والآن ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فيما يعرف بلمفات النازحين، ودعوة دخول المنظمات الأجنية- مشيراً إلى أن هذا سيناريو متسلسل ومتواصل، ولذلك لا يستغرب موقفها الأخير من زيارة مساعد رئيس الجمهورية وربطها بتعليق السودان للاتفاقيات مع دولة الجنوب.
زيارة كارتر.. الإيجابيات والسلبيات:

وعن تأثير هذه الزيارة يقول بعض المراقبين السياسيين إنها من الأهمية أن تكون لفتح بوابة جديدة للعلاقات السودانية الأمريكية وتكسر حالة الجمود الطويلة، وسوف تعود للسودان بإيجابيات كثيرة، لأن الرئيس الأسبق كارتر يمتلك مركز للانتخابات ولقياس الديمقراطيات، وله دراسات ورأي معترف وبالتالي سيكون هناك حوار سياسي عميق فكلٌ يعرف الآخر، فحكومة السودان تمتلك أوراقاً كثيرة لصالحها قدمتها في إطار السلام والاستقرار أولها توقيعها لاتفاق السلام الشامل واتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة ودعوتها المستمرة إلى حل القضايا العالقة، وبالمقابل عدم إيفاء الولايات المتحدة لوعودها عن رفع اسم السودان من لائحة العقوبات وتقديم المساعدات له، والسماح للشركات بالعمل في المجالات الاقتصادية المختلفة، وأهمها قطاع النفط إذ المنفعة متبادلة إذا ما أبعدت من إطار التربص السياسي بحسب توصيف المراقبين، خاصة في ظل بروز الملف الصيني الذي يشكل سبباً لتعنت الولايات المتحدة في قراراتها وإرجائها للتطبيع الكامل، لأنها تعتبر أن السودان قد فتح بوابة أفريقيا للتنين الصيني وأتاح له الفرصة عبر الاستثمار في بتروله لتكون له اليد الطولى في بعض دول أفريقيا مما شكل لها منافسة اقتصادية شرسة في القارة السمراء، ولولا السودان لما دخلت الصين القارة الأفريقية، وهذا سبب اقتصادي يجعل الضغوط عبر العصا والجزرة مستمرة من قبل الولايات المتحدة.

ضوء في آخر النفق:

وأخيراً على ضوء ما رشح من تصريحات أخيرة، يرى محللون سياسيون أن هذا الملف معقد جداً ولكن هنالك ضوء في آخر نفقه المعتم. مشيرين إلى أن قنوات التواصل مازالت مفتوحة، وهنالك جسر للحوار المستمر ما بين حكومة السودان والولايات المتحدة، رغم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وربطها الدائم لقضاياها مع السودان بحلحلة قضايا دولة الجنوب، والإملاء عليه لسياسة فرض الأمر الواقع، وهي المتحكمة في النظام الدولي، كما هو معروف.. لذلك لابد لحكومة السودان أن تلعب دوراً دبلوماسياً موازياً بحسب قول الخبراء السياسيين في مقابل ما تحاول الولايات المتحدة أن تجعله قرارات أممية ملزمة في قضية أبيي، وذلك عبر التنسيق مع الاتحاد الأفريقي والهيئات الأفريقية والدول الأفريقية لحلحلة قضايا أفريقيا بعيداً عن الأجندة الغربية أو الولايات المتحدة.

صحيفة آخر لحظة
تقرير: عيسى جديد[/JUSTIFY]