تحقيقات وتقارير

الفراولة و(الجنائية) وربط الأحزمة على البطون

[ALIGN=JUSTIFY]صارت قطر لاعبا جديدا ومهما في الملعب السوداني بعد ما كلفتها الجامعة العربية برعاية محادثات سلام بين الفرقاء في دارفور لانهاء أزمة الاقليم التي استفحلت وصارت اداة خطيرة يمكن استخدامها لانهاك البلاد وتهديد نظام الحكم ،ولكن قطر التي نجحت في الملف اللبناني ،وحققت اختراقا في الصلح بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، وصار لديها تأثير في القضية الفلسطينية وتسعى الى لعب دور في الصومال،تواجه تحديات كبيرة في مسألة دارفور تجعل مهمتها ليست باليسيرة،لان دورها في السودان سيكون خصما على دول وقوى اقليمية ترى ان هناك مخططا لسحب البساط من تحتها،لذا فان الدوحة مطالبة بتفاهمات مع عواصم مجاورة للسودان تملك ايادى في دارفور،واخرى لا يريحها ان تشهد تأثيرا في البلاد من دون ان يكون لها دور محوري.
وبالطبع فان مهمة قطر في التفاهم مع الدول الغربية في أزمة دارفور ستكون اسهل من ان تصل الى تعاون مع دول عربية وافريقية يمكن ان تعرقل أي تقدم في اتجاه تسوية أزمة دارفور لاثبات انه لا يمكن تجاوزها،يضاف الى ذلك تشرذم فصائل دارفور والانقسامات بين مكونات الاقليم ولذا فان التعقيدات المرتبطة بالأزمة تجعل احراز نجاحات كبيرة محفوفة بمخاطر تجعل من التحرك في الملف مثل التجول في حقل من الاشواك ان لم نقل الالغام مما يبطىء بتسريع طي ملف الحرب.
و في المقابل فان الانهاك الذي اصاب اطراف النزاع في دارفور ،ويأس مواطني الاقليم من ان الحرب لم تجن لهم الا البؤس والشقاء والنزوح واللجوء،وضجر المجتمع الدولي من استمرار العنف وبروز الأزمة المالية العالمية التي تدفع المانحين الي مراجعة اولوياتهم يمكن ان تكون عناصر مساعدة في ممارسة المجتمع الدولي ضغوطا على الفرقاء لانهاء الأزمة بطريقة تحقق لاطراف مؤثرة اجندتها ، و في حال تطاول الأزمة فان العالم يمكن ان يدير ظهره لدارفور ويخسر الجميع فرصا لا يمكن تعويضها وتصبح القضية نسيا منسيا خصوصا اذا برزت الى السطح أزمة جديدة تصرف الانظار عن دارفور.
والمطلوب من طرفي النزاع التسلح بارادة سياسية قوية واتخاذ خطوات جادة خاصة وان هامش المناورة بات محدودا واللعب على عنصر الوقت ليس مربحا، والتكسب باستمرار النزاع لم يعد مجديا،ومصادر التمويل والتسليح للجميع وقعت عليها متغيرات لم تعد مشجعة..،والحكومة من جانبها لها مصلحة في ترك أزمة دارفور وراء ظهرها للتخلص من عبء ثقيل،و في سبيل ذلك ينبغي ان تقدم تنازلات ولو كانت مؤلمة،ويمكنها ان تقتدي بالامام الخميني – رحمه الله – عندما اتخذ قرار وقف الحرب مع العراق وشبهه كمن يتجرع السم،ولكن فلتمضغ الحكومة «الحنظل» لأن الدواء للكبار ليس مغلفا بطعم السكر ونكهة الفراولة دائما مثل ادوية الاطفال.،اما الحركات المسلحة فعليها ان تتذكر انها ترفع السلاح باسم مواطنين ضاقوا ذرعا بحرب لم يحصدوا منها الا الحصرم ،وان التمسك بمواقف جامدة لن يحقق لهم ولمواطنيهم مكسبا وان عليهم ان يتجاوزوا المرارات لانه ليس بالثأرات تعالج الأزمات،واذا استمروا في عنادهم وتخندقوا في مواقعهم فانهم سيخسرون كثيرا وسيبحثون غدا عما يرفضونه اليوم ولن يجدوه،وان التشبث بتسوية غير واقعية وان حصلوا عليها لن تصمد وستنقلب عليهم الاوضاع بما لم يحتسبوا.
وثمة قضية وراءها أزمة دارفور أخذت بتلابيب البلاد منذ اكثر من سبعة اشهر الا وهى المحكمة الجنائية الدولية التي منذ ان اطلق مدعيها العام مزاعمه بحق الرئيس عمر البشير في 14 يوليو الماضي ظلت الشغل الشاغل للجميع ،واخذت وقتا وجهدا لو انفق في أي مسألة أخرى لحقق نتائج كبيرة، لأن الجدل حول اختصاص المحكمة والدفوعات القانونية لم تجد طريقها الى المكان الصحيح،والمسألة في ابسط صورها هى قضية امر واقع فرضته الظروف وموازين القوى الدولية فكان ينبغى ان يجرى التصدي للقضية ومجابهتها بواقعية وبآليات مرنة،ولا مجال الآن للبكاء على اللبن المسكوب،فلننظر الى الامام بعد ان حددت المحكمة الاربعاء المقبل لاعلان قرارها،واذا افترضنا الاسوأ أي قبلت الاتهامات واصدرت امرا بالتوقيف فهذا ليس نهاية المطاف..، صحيح ستقع تأثيرات معنوية وسياسية ولكن يمكن تخفيفها وامتصاص جوانب سالبة عدة اذا جرى التعامل بحكمة وموضوعية وبراغماتية ،تراعي مصالح البلاد العليا،واعتقد ان الحل في داخل السودان وليس في نيويورك ومجلس الامن الذي تتحكم فيه اجندة القوى الكبرى التي تتقاطع مصالحها ويصعب الاستجابة لشواغلها المتحركة،ومن الكياسة بمكان ان نتيح لأصدقاء السودان مجالا أوسع لاستخدام كروت تخاطب وجدان وضمير المجتمع الدولي بدلا عن استفزازه.
اجراءات المحكمة الجنائية يمكن ان تستمر سنوات ومتابعة الملف يجب ان توكل الى مجموعة عمل سياسية وقانونية ودبلوماسية تدرس الخيارات المتاحة،حتى لا تنهمك الدولة واجهزتها في مماحكات وتهدر وقتا طويلا على حساب قضايا البلاد وتحدياتها الجوهرية،واعتقد ان ما يشكل خطرا على البلاد حاليا هو الظروف المالية وشح السيولة وحالة الانكماش الاقتصادى والكساد التي باتت تضرب الاسواق بقوة ،ومما زاد من المصاعب اجراءات البنك المركزي الخاصة بضوابط الاستيراد وحسابات النقد الاجنبي في المصارف التي انعكست في ارتفاع صرف الدولار في مقابل الجنيه السوداني بعد سنوات من الاستقرار،وبات جليا ان البلاد ليست بمنجاة من الأزمة الاقتصادية العالمية الامر الذي يتطلب سياسة رشيدة لا تتصدى للأزمة بالاجراءات وحدها وانما بالسياسات ايضا،ويا حبذا لو اتخذت الحكومة وحزب المؤتمر الوطنى الحاكم خطوات رمزية مثلما فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي اعلن سياسة «التقشف» وربط الاحزمة على البطون وفرض ذلك على أعضاء حكومته ومسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم.
النور أحمد النور :الصحافة
[/ALIGN]