تحقيقات وتقارير

قصة معركتين : قبريال تانق…عودة حرب المليشيات

[ALIGN=JUSTIFY]ويتكرر المشهد على ذات السيناريو، اشتباكات بين الجيش الشعبي ومليشيا اللواء قبريال تانق، والنتيجة لم تحص محصلتها بعد، من الموتي والجرحى، والطرفان يتبادلان ذات الاتهامات بينهما. فما شهده نهار الرابع والعشرين من نوفمبر 2006م، ويعود بنسخة من الكربون نهار أول أمس، ليحيل هدوء ملكال وطمأنينتها الى ضحايا موزعين بين الشوارع والمستشفيات، وآخرين التزموا منازلهم خيفة ما يجري من حولهم، هكذا كتب لزيارة قبريال تانق لأهل ملكال أن يقضوا ايامهم وأياديهم على قلوبهم، والنتيجة ضحايا ابرياء ولا أحد يكسب شيئاً.
فالمعلومات الأولية لنتيجة الصراع المسلح الذي وقع بين الجيش الشعبي ومليشيا قبريال تانق أفادت بمقتل «15» واصابة أكثر من «132» جريحاً، تلك كانت محصلة زيارة اللواء قبريال تانق الى مدينة ملكال، الذي ذهب بغرض حل بعض المشكلات الأسرية الخاصة به بالاضافة الى صيانة منزله، ليتسبب وصوله في اشعال مزيد من المشاكل ودمار كثير من المنازل بدلاً عن صيانتها، فعندما علمت قيادة الحركة الشعبية بقدومه أمرت بتنفيذ أمر القبض الصادر ضده وترحيله لجوبا لمحاكمته في احداث ملكال التى وقعت في الرابع والعشرين من نوفمبر 2006م والتى راح ضحيتها أكثر من مائة شخص قبل أن تتدخل الامم المتحدة والحكومة المركزية بابعاد قبريال تانق الى الخرطوم وقتها، ليتجدد القتال أمس الأول بعد عودته للمدينة ومحاولة الجيش الشعبي تنفيذ أمر القبض الصادر بحقه في تلك الأحداث.
ليتكرر مشهد الاشتباك بين الطرفين أول أمس عندما حاولت قوات الجيش الشعبي تنفيذ أمر القبض على قبريال تانق الذي احتمى بقواته المتواجدة بالمنطقة، ما أدى لمقتل العشرات وجرح الكثيرين الذين نقلوا الى المستشفيات، معيداً بذلك المشهد الذي تكرر في نوفمبر2006م، حينما اندلعت ذات الاشتباكات بين الطرفين، تلك المعركة التى تعرت المدينة فيها أمام كاميرات الصحافيين التى نقلت مشاهد الحرب الضروس التى شهدتها ملكال من مبانٍ مهدمة وآثار الدمار التى طالت الانسان وكل شئ.
وكانت القوات المسلحة قد وصفت وقتها، حسب بيان الناطق باسمها، تلك الأحداث الأولى بأنها نزاع بين اللواء التابع لها قبريال تانق، والعميد جون ملوت من الجيش الشعبي ومحافظ فنجاك، أدى لاطلاق النار في المدينة، فنشرت على اثره قيادة الجيش الشعبي قواتها على مشارف قيادة منطقة أعالي النيل العسكرية ثم هاجمتها، وبقرار من لجنة الأمن سحب اللواء قبريال للخرطوم حقناً للدماء، ثم هاجم الجيش الشعبي قيادة القوات المسلحة أكثر من مرة، فتم سحب القوات المشتركة نحو القطاع الشمالي من المدينة مع خسائر في الأرواح والمعدات.
وقال اللواء قبريال تانق في مؤتمر صحفي في الخرطوم صبيحة معركة ملكال الأولى «ان تدمير ملكال وقتل الناس تسببت فيه «امرأة» غازلها حرس المحافظ الذي سارعت قواته لحمايتها ليدور القتال داخل المدينة. ويسقط في تلك المعركة «84» قتيلاً «43» منهم من القوات المسلحة و«4» من قوات الجيش الشعبي، وجرح عدد «103» أفراد من القوات المسلحة و«13» من جيش الحركة، وجثث مدنيين تراصت على ارصفة الطرقات.
ومشهد المؤتمر الصحفي الذي عقده قبريال تانق صبيحة أحداث ملكال الأولى بالخرطوم ليبرر فيه ما حدث، يتكرر أمس بعد جلائه من ملكال ليطل بذات المشهد أمس عبر مؤتمر صحفي عقده بصحيفة الانتباهة، واصفاً ما جري بانه «غيرة» بعد أن قال ان المشكلة قبلية لتصفية حسابات بين «الدينكا والنوير» ولكن الحركة الشعبية لا تود الاعتراف بها، مشيراً الى أن ما جري في ملكال أول أمس يعد تصفية حسابات شخصية بعد ان اتهم سلفاكير بتصفية خصومه من ابناء الجنوب في الشمال، مرجعاً الحادثة الى أنه قدم لملكال للمشاركة في عزاء ابنيه اللذين توفيا، ولكنه فوجئ بقوات ينمس تخطره بأن حكومة الجنوب لا ترغب في بقائه بالمدينة، وحينما كان يهم بتدبير امر رحيله من المدينة تم الهجوم عليه من قبل قوات الحركة الشعبية، مما دفعه لاستخدام قواته المسلحة لحمايته».
وكان مراقبون قد عزوا معركة ملكال الأولى الى حرب المليشيات التى كانت تستعر وقتها بين شريكي نيفاشا، ولكن النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت قد قال في مطار ملكال وهو قادم لتفقد المدينة بعد حريقها: «قبل كل شئ لا توجد مشكلة بين القوات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان على المستوى القيادي، رغم أن المليشيات المسلحة حليفته ويقدم لها الدعم».
وأضاف أن حكومته ليست معنية بأي اتفاقيات سابقة لاتفاقية السلام، ثم قال «هذه المليشيات تنفذ الأجندة السياسية لحزب المؤتمر الوطني»، واضاف «لا اعرف قوادا لجيوش سوى الرئيس البشير وسلفاكير».
وبعد معركة ملكال الأولى اعلنت حكومة الجنوب، أن اللواء قبريال تانق قائد قوات دفاع جنوب السودان في منطقة شرق الاستوائية مطلوب للتحقيق معه لاتهامه بالتسبب في الاحداث الدامية بمدينة ملكال، وناشدت القوات المسلحة بتسليمه لمثوله للتحقيق بعد ان تحصن بالخرطوم، وهو ذات أمر القبض الذي تسبب في معركة أول أمس، وكانت الحركة الشعبية قد اشارت وقتها الى أن أحداث ملكال تشئ بمخطط يسعى لاشاعة الفوضى في الجنوب لاظهار عجز حكومتها الاداري، وأنها جزء من مخطط يستهدف وضع عراقيل أمام حكومة جنوب السودان، وعرقلة تطبيق حق تقرير المصير، وأشارت الى جهات – لم تسمها- تحلم باعادة احتلال الجنوب.
ولكن المتابعين لوتيرة الصراع في المنطقة يشيرون الى أن تصاعد أحداثه التى قادت لمعركة ملكال الأولى، أنه يرجع الى تعيين الحركة الشعبية لعميد جون مالوت وقتها محافظاً لمحافظة «فم الزراف» ، وهو ما اثار اللواء قبريال تانق، لان مالوت اقل من رتبته وكان يعمل تحت امرته عندما كانا معاً بقوات دفاع الجنوب بقيادة اللواء فاولينو الذي انضم للحركة الشعبية. فقد قال رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت حول هذا الأمر عقب احداث ملكال «جاءني قبريال قبل وقت طويل وطلب تعيينه محافظا لفم الزراف، واخبرته ان لا مانع لدي، لكن حسب اتفاق نيفاشا يجب ان ينضم الينا». واضاف «ذهب قبريال ولم يرد علي، لكنه اعاد الطلب بعد انتهاء المهلة المفترضة لتوفيق اوضاع المليشيات، فاخبرته ان الوقت انتهى. فحسب سلفاكير فان قبريال تانق كان يرغب في الجلوس على مقعد محافظ فم الزراف، وكان غاضبا من تعيين جون مالوت، لذا فان اصابع الاتهام وجهت له مباشرة عندما وقع هجوم مسلح علي منزل مالوت راح ضحيته ثلاثة واصيب «12» شخصاً من المهاجمين وحرس المحافظ، الذي اتهم اللواء قبريال بتدبير الهجوم على منزله، وكرد فعل قامت قوة مسلحة بالهجوم على منزل اللواء قبريال الذي كان خارج المنزل، فاتجهت اصابع الاتهام مباشرة لقوات الحركة الشعبية وجهزت قوة مسلحة لحماية المبنى. فيما ارجع مراقبون أحداث ملكال الأولى «2006» الى انها تمثل احدى محطات الصراع القبلي بين الدينكا والنوير، وهو الصراع الذي يتمدد في كل منطقة توجد بها القبيلتان.
حيث تشير البطاقة التعريفيه للواء قبريال تانق، الفاعل الرئيسي في معركتى ملكال، الى أنه ينتمي لقبيلة النوير، ونشأ وترعرع في منطقة فنجاك. ويشير مقربون منه الى انه يعد من أكبر قادة النوير العسكريين، ويقع تحت قيادته كل من نوير فنجاك واللاو في منطقة أعالى النيل، وكغيره من جنرالات الحرب حيث لم تكن عسكريته عبر الكلية الحربية، وانما غابات الاستوائية التى احتوته متمرداً وخبر عبرها العمل العسكري في صفوف حركات التمرد الأولى، حيث شارك لأول مرة في قوات «الانانيا2» كمقاتل برتبة العريف تابع لقيادة اعالي النيل، وعاد مع متمردي الانانيا بعد اتفاقية اديس ابابا، ليتمرد للمرة الثانية ويستقر به المقام في معسكرات الحركة الشعبية باثيوبيا التى قضي بها تسع سنوات واعاد من خلالها تدريبه وتأهيله عسكرياً، وبعد توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام، تكونت قوات دفاع جنوب السودان التى كانت تسيطر على كثير من المناطق في الجنوب، وكان قبريال تانق يقود احد قطاعاتها، وكانت قوات دفاع الجنوب تم تكوينها بعد اتفاقية الخرطوم للسلام وكان اساسها «6» فصائل من بينها فصيل د.رياك مشار ود. لام اكول قبل أن ينضما مجدداً للحركة الشعبية.
بعد أن اختفت صورتها من الاذهان هاهى احداث ملكال تعيد للأذهان مرة أخري حرب المليشيات التى أكتوى بها الجنوب، فهل ما جري بملكال سيكون بداية النهاية لمليشيات تطاول عمرها بعد توقيع اتفاقية السلام، أم أنها بداية مرحلة جديدة من نشاط المليشيات في الجنوب؟!!.
خالد البلولة إزيرق :الصحافة
[/ALIGN]