مقالات متنوعة

قصة من الماضي

قصة من الماضي
دعونا نرجع (شويتين ) الى الوراء .. بداية التسعينات .. داخلية جامعة السودان القديمة .. فلنعترف ان الشُلة كانت شُلة ظريفة … شُلة كوكتيل .. من كل أنحاء السودان ..لن اخوض فى وصف الكابة المنتشرة فى الداخلية .. والحزن المعلق فى اركان سقفها .. ولا عن استحالة الانفراد مع نفسك و سماع فيروز .. ولا عن ردائة الطعام الذى يقدم باسعار معقولة نسبياً .. فأيامنا متشابهة بائسة …

عدس لا طعم له و كابة و فول …من غير زيت … صف اطول من المسيسيبى لغمر جسدك بالماء … سطل (جردل) مخروم خرم أكبر من أنف تمساح نيلى ..أصوات المراوح المزعجة تضاهى اصوات هيلكوبتر روسي يحتاج زيتاً .. ممرات ضيقة و كوتشينة صاخبة و شاى أقرب للأسود منه الى الأحمر .. و طلاب مزعجون يحبون جداً المزاح بالأيدى و أحياناً الأرجل .. تباً لقد خضت فى التفاصيل !.. حسناً ,سوف أقفز مباشرةً الى يوم الخميس .. حيث تنتظرنا الفرحة و يحتوينا الاحتفال .. نعم كُل خميس .. طيلة أيام الدراسة .. نحن الأربعة .. يتصدرنا ود الزين .. و بعد المغرب مبااااشرة … نلبس أجمل ثيابنا .. بناطلين سودا .. و قمصان مخططة .. أكمام طويلة فى الغالب .. و أحزية لامعة جداً .. عدا ود الزين …فى الحقيقة كنا نعمل على تجهيز أنفسنا منذ ظهر اليوم ..و الجميع يُبادل الجميع الملابس .. شراب من هنا و حزام من هناك .. الداخلية مكان يسكنه التكافل منذ الأبد .. نركب المواصلات المعتادة حتى شارع المطار .. نختار أحد النوادى الفارهة المنتشرة هنالك على قلتها .. و ندخل النادى بطريقة غريبة .. ود الزين .. ذلك الضخم .. الوحيد الذى يلبس جلابية نظيييفة جداً و قماشها جيد .. عمة ضخمة ملفوفة باحكام و شال مزخرف يكاد يلامس ركبتيه .. كان يمكث فى كل عام دراسي لسنوات ! لا يحب الدراسة و لكن تستهواه مظلة (طالب) و ( يا حليلو ساكى القراية ) … لذا يقال انه قد (دق) التلاتين ! لا تُنكر أن ذلك قد أفادنا جداً .. يُمثل ود الزين ببراعة دور ( زول البيت) و انه شخصية قريبة جداً العريس او العروس .. يدخلنا بكل ثقة ..و يجلسنا فى (أجعصها) طربيزة .. و يبدأ كعادته فى ممارسة نشاط المايسترو ..بجدية وحزم … ينادى على موظفين النادى .. انت اذهب هناك .. وانت استقبل النسوة القادمات للتو .. وانت احمل العشاء الى تلك المجموعة ! و أهل العريس يقولون انه لابد من اهل العروس و اهل العروس كذلك يظنون انه من اهل العريس ! و بالتأكيد كان يخصنا بما لذ و طاب من الطعام .. عشرات الاطباق كانت ترسل لنا .. نأكل و نضحك … نضحك و نأكل .. نأكل و نضحك .. و ننتشى حد الهزيان .. و ننسى كل قصصنا المأساوية ..تماماً تماماً .. يقوم بعدها اسماعيل بالرقص بجنون فى منتصف الحلقة.. يقول دائماً أن الرقص يساعده فى هضم الحزن … والطعام !
ينتهى الحفل .. نخرج و نحن فى كامل الانتشاء .. نشكر ود الزين .. ينتشى لشكرنا ..كلنا سعادة ان امرنا لم يفتضح ..و لم ننسي ابداً ملء الحقيبة الجلدية السوداء اياها بكم لا بأس به من افخاذ الدجاج و البيض و المخللات و قطع الباسطة اللذيذة .. فهنالك حيث نسكن حتماً ينتظرنا ( الجميع) وهم فى كامل الجوع و البؤس !

بى اس : القصة لا تمت للكاتب بصلة.. الفكرة مقتبسة من قصة حقيقية …

الكاتب : محمد بلال