منى سلمان
عود لينا يا ليل الفرح
مرت السنوات واعقبتها سنوات كبر فيها الابناء وزادت الاعباء وقلّ الرزق وتناقصت البركة وتغير حال الناس، وتغيرت معه حالة حاج (عمران) من حال الى حال .. بعد ان كان دخله من الكشك يكفيه ويفيض، جارت الكافتريات الحديثة وسياسات ناس البلدية الغميسة على كشكه ومصدر رزقه، عندما قرر المسئولين منع بيع المأكولات والمشروبات في الاكشاك، فتحول مجبرا من تجارة حاجات البطون لحوجات العقول وحول كشكه لمكتبة تبيع الصحف والادوات المكتبية والكتب الثقافية، وتلك بدورها سرعان ما عانت من البوار بسبب انصراف الناس من الثقافة الورقية الى الشباكة الالكترونية، مما جعل حالة حاج (عمران) تضيق تاااني !!
عندما تخرج (أمجد) ابن حاج (عمران) من الجامعة، ظن المسكين أن سنين معاناته مع الشظف قد انتهت بهذا التخرج الذي دعي اليه الاهل والاصحاب، وزفته يومها الموسيقى (يعرض ويبشر) وأم العيال مع دخري الحوبة في روبه القشيب الى المنصة لاستلام الشهادة، ولكن مر العام والثاني وثالث وبلغت اعوام عطالة (امجد) الخمس سنوات دون بارقة امل في وظيفه، مما جعل حالة عمران تضيق تااااالت !!
بعد المشاورات والكثير من الاتصالات، والتواصل مع المغتربين من الاهل والاحباب، قرر حاج (عمران) بيع قطعة الارض (الحيلة والدخيرة)، ويشتري من ثمنها مستقبل ابنه الذي تمثل في عقد عمل واقامة في احدى الدول البترو ريالية .. وقد كان
وهاهو حاج (عمران) ما زال على حاله (يلوك في الصبر) ويرجو من الله ان يربح بيعه الاخير وتفرج بـ حوالات أمجد وتحويلاته بعد ان طال استحكام حلقاتها عبر السنين ..
سفرية (امجد) الى ما وراء بحر المالح هربا من قعاد الضللة، ومزالق الضلالات التي تدفعه الى مهاويها ساعات الفراغ الطويلة ونظرات ابيه الكسيرة وعبرات امه الحسيرة سبحان الله جعلته رقما في احصائيات وزارة العمل الاتحادية، وذلك عندما اشار تقرير حكومي صادر عنها، الى تزايد معدلات الهجرة وسط السودانيين خلال العام الحالي ..
تقول احصائيات الوزارة انه خلال الـعشرة اشهر الماضية غادر السودان حوالي خمسة وسبعون الف مهاجرا، وارجع تقرير قدمته وزارة الموارد البشرية، اسباب تزايد الهجرة لضعف الاجور مقابل زيادة متطلبات الحياة المعيشة، وقلة فرص العمل وتزايد العاطلين من الخريجين، ومن الجانب الاخر انفتاح ومغريات سوق العمل في الدول المستقبلة للمهاجرين ، فضلا عن (مشروعية) السعي للحصول علي موارد مالية من العملات الصعبة، خاصة بعد طار الدولار وراح ودق جنيهنا الدلجة ..
حقيقة، عندما طالعت هذه الاحصائيات المقلقة تذكرت سهرة قدمتها قناة النيل الازرق مع طائر عائد للوطن من طيورنا المهاجرة هو الفنان انيق الاحساس (الطيب عبد الله) .. كانت السهرة تحمل اسم (عود لينا يا ليل الفرح)، تغنى فيها بأروع اغنياته العاطفية الرقيقة الشجية التي حفظها الوجدان السوداني عن ظهر قلب ..
يومها سرحت بخاطري مع (لو) مفتاح باب عمل الشيطان، وسألت نفسي:
ماذا (لو) لم تتحول ارضنا الخصبة الى ارض يباب طاردة تهاجر منها الطيور النادرة الى ارض الغربة لتبحث عن الحب والماء ؟!! وكم حرمتنا فجاج الغربة من ابداع وكفاءات وعقول نيرة لربما حولت يباس ايامنا لخضار (لو) وجدت من معاول البناء معينا لها على البقاء ؟!!
تذكرت مقال كتبه احد عقولنا المهاجرة يحكي فيه عن عهد المغتربين الذهبي عندما كانت الخبرات والعقول السودانية تمسك بزمام الامور في بلاد الجزيرة العربية، ومفارقة طريفة حدثت له عندما كان يقود وفدا عالي المستوى من الدولة الخليجية التي يعمل بها، للتفاوض مع وفد شركة قادمة من دولة خليجية أخرى للاستثمار في ذلك البلد، فكان اعضاء الوفدين الرفعين المجتمعين من السودانيين !!
ماذا (لو) كانت تلك العقول النيرة تفاوض من اجل خير السودان .. مش قالوا العقل النير كان ما كفا بلدو حرم على الجيران !!
المشكلة ان الحال تغير بـ طيورنا المهاجرة وضاقت بها المهاجر، فالكثير من السودانيين صاروا يفضلون عطالة المنافي على الصبر على سوء الاحوال في السودان .. آآخر الزمن صارت العقول والخبرات السودانية تخرج للعمل بعقودات عمالة يدوية ورعاية المواشي والسرحة وراء القطعان !!
غايتو في انتظار الفرج تعالوا نغني .. عود لينا يا ليل الفرح
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]