تحقيقات وتقارير

أبوعيسى وكمال عمر.. حلفاء الأمس خصوم اليوم

[JUSTIFY]حين تنعكس الصورة على وجه رئيس تحالف قوى الإجماع الوطني فاروق أبوعيسى في كل أنشطته فإن الجزء الآخر يرسم وجه الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر الصاعد إلى المسرح السياسي السوداني عقب نيفاشا والمفاصلة.

مسارح المؤتمرات الصحفية رئيس التحالف على يمينه كمال.. نصوص الهجوم على الحزب الحاكم ألفاظها متشابهة وربما مترادفة بدا عمر كأنه مفتون بصورة (أبوعيسى). ثمة حميمية بين الرجلين بدت ماثلة للعيان لدرجة أنه يمكنك ملاحظة أنه حتى الغياب يأتي متفقاً عليه.. الشاب بميوله الإسلامية بدا وكأنه يتماهى مع توجهات الثمانيني الاشتراكية.. حتى وقت قريب تنعكس كاميرات وأقلام الذاهبين بكاميراتهم لرسم مشهد الحراك السياسي الجديد عقب خطاب القاعة على انفصال جديد واختلاف في المواقف والاتجاهات.. أبوعيسى يخبرك عن انفتاح تحالف الإجماع على صور جديدة بينما يمضي عمر بخطوته نحو تشكيل تحالف إسلامي جديد لمواجهة (العلمانيين) في الانتخابات القادمة.

ما جمع تحالف الإجماع هو ذاته ما يفرقه الآن ويجعل علاقة أبوعيسى وكمال في المحك، ليس على الجانب الاجتماعي وإنما حين تضعه في إطاره السياسي؛ الأمر هنا يبدو مختلفاً ومختلفا حوله فالتحالف قام على أساس إسقاط بنيان الحزب الواحد المسيطر، ومضى في هذا الاتجاه، وكان حزب كمال هو الأكثر إصراراً على إنجاز المتفق عليه بين قوى جوبا قبل أن يرتد على عقبيه ويذهب في اتجاه إخوان الأمس، لدرجة أن عمر الذي لم يترك للوطني شيئا سرعان ما تواءم لسانه مع لغة جديدة هي لغة الهجوم على حلفاء الأسبوع السابق المتهمين بالحصول على أموال الغرب من أجل مواجهة الإسلام السياسي..

ربما الخطاب الجديد للشعبي في حال قراءته مع التصريح المنسوب لأبوعيسى حول مغادرة الشعبي للتحالف بأنها لم تكن كما ينبغي، يبدوا وكأنه إعادة لنزاعات اليمين واليسار في السياسة السودانية وتبني المواقف على هذا الأساس؛ فالناظر لحالة التقارب بين منظومات المعارضة (الشعبي، الأمة والاتحادي الاصل) في مقابل المتمسكين بالضفة الأخرى للنهر (شيوعي بعثي وناصري مع إضافة قوى السودان الجديد) تبدو المواجهة كأنها مواجهة يسار علماني ويمين يدعو للدولة الإسلامية بعد أن صارت الدولة المدنية مجرد اسم دلع للعلمانية وفقاً لكمال عمر في حواره المنشور.

المتداول في صحف الخرطوم يخبرك عن تباين كبير في مواقف القوى السياسية السودانية في ما يتعلق بسيناريو مشهد الحوار؛ ففي الوقت الذي أعلنت فيه أحزاب الأمة والاتحادي والشعبي دخولها في حوار مع المؤتمر الوطني، أعلن الحزب الشيوعي رفضه الحوار ما لم تتوافر له المقومات التي تدفع به نحو غاياته.

“إيقاف الحرب وتهيئة المناخ للحريات وإزالة القوانين المتعارضة مع الدستور وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإلغاء القرارت الاقتصادية التي طبقت في سبتمبر من العام الماضي”، تلك هي “متطلبات الحوار” التي تضاف لها قضية النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.. تلك هي مطلوبات ما قبل الجلوس عند أهل الإجماع.

بينما حزب الامة في بيانه المنشور أمس يتناول ما أسماها بـ”إجراءات بناء الثقة” تشمل وقف الحرب، وفتح ممرات آمنة للإغاثة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والعفو عن المحكومين في هبة سبتمبر 2013م، وإطلاق الحريات العامة بما في ذلك تجميد النصوص القانونية المقيدة للحريات والسماح للصحف الموقوفة بالصدور ووقف الرقابة على الصحف. وهو الأمر الذي يجعل من الاتجاهين وكأنهما اتجاه واحد وأن ما تم الآن هو فقط مجرد حالة تفكيكية لتحالف الإجماع الوطني لا أكثر ولا أقل، وكأن الاختلاف في عملية الجلوس إلى موائد الحوار هو اختلاف في الدرجة أو اختلاف تقديم وتأخير، وهو الأمر الذي يشير إلى انعدام حالة الثقة بين مكونات السياسة السودانية أو بين المتصارعين حولها، فذات الأجندة التي يدفعها الإمام الصادق من أجل النظام الجديد هي ذات الأجندة التي تسعى لتحصيلها قوى الإجماع الوطني في سبيل الوصول إلى تسوية تعبر عن حالة من الاستقرار السياسي، هي مطلوب الكل في الوقت الراهن أو في المستقبل المنظور.

ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام الآن وهي اشتعال المواجهات الإعلامية بين مكونات المعارضة عقب خطوة الحكومة ودعوتها للحوار؛ فبعد الهجوم الذي شنه أبوعيسى على الشعبي معتبراً أن خروجه من التحالف لم يكن أخلاقياً وبلا درجة من الاحترام لسنوات الحلف المشتركة، رد عمر بأنهم في الشعبي لم يكونوا أول من سنّ سنة الحوار مع الحكومة وسبقهم عليها آخرون من المعارضة، فهم لم يأتوا بالجديد..

ملاحظة أخرى هي أن ثمة صوت احتجاج بدا عنيفاً على خطوة الحوار من مكونات التحالف متجاوزين خطوة المغادرة إلى خطوة عملية القبول بها مبدءاً وهي الرؤية التي دعمتها الخطوات الأخيرة والتراشفات الإعلامية؛ فالصحف أمس بدت واحدة من أدوات تصفية حسابات التحالف السابق وإعادة الجدل حول العلاقة بالشعبي وتأثيراتها على مسار المعارضة، بينما لم تخل حتى منابر الإجماع من الهجوم على كمال عمر، وهذه المرة كان اللسان لإبراهيم الشيخ عضو هيئة رؤساء قوى الإجماع الوطني ورئيس حزب المؤتمر السوداني.. الأمر دفع بأحد الشباب للقول بأنه من الغد ربما تصدر السلطات قراراً بفتح المنابر السياسية والندوات للقوى المعارضة لتبادل الاتهامات والمواجهات.

افترق المحاميان (فاروق وكمال) بقرار حزب الشيخ الأخير وهو افتراق لا يبدو أنه نهائي، وربما يتم اللقاء قريباً وفي مسرح آخر، فالتوصيف الوحيد لمسارات السياسة والتحالفات السودانية هو أنها مسارات اللا مسار.

الزين عثمان : صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]