«الإصلاح الآن » .. تشريح المشهد السياسي
بيد أن رياح السياسة التي مافتئت تحرك كل ساكن، قد بدأت في تقريب الشقة بين الحزبين لتتغير موازين المعادلة السياسية في (وثبة) هي الأعلى على الإطلاق.. ولعل وصف الزميل بكري خضر في تقريره بعنوان: ( الشعبي… هل استعد للترجل من طائرة المعارضة)، قد رسم لوحة لمشهد لا يزال قيد التشكل، حين قال..(وخطوات الشعبي مع الحزب الحاكم، وتغير لغة الخطاب واللهجة بين الحزبين تشير بوضوح إلى أن الشعبي وزعيمه د. حسن عبد الله الترابي يستعدان للهبوط من طائرة المعارضة في أرض الحزب الحاكم).. لكن المشهد السريالي تزداد ألوانه اختلاطاً إذا نظرنا إلى الخطاب الحاد الذي تنتهجه حركة الإصلاح الآن بقيادة د.غازي صلاح الدين التي بدأت حراكاً نحو الولايات، بالتوازي مع عمليات الانسلاخ من قبل قيادات في المؤتمر الوطني، وبعد أن ابتدرت الحركة- التي هي في طور الانتقال إلى مرحلة تسجيل حزب سياسي- ابتدرت نشاطها بندوة بالخرطوم هاهي تتجه شرقاً، فقد حط ركب قيادتها بالقضارف، حيث خاطب ندوة سياسية لم تخلُ من مرارات الانفصال، وكانت كلمات الأستاذ حسن عثمان رزق كالرصاص وهو يصف حالهم مع إخوانهم في المؤتمر الوطني، كحال الطبيب الذي تضطره الظروف للبقاء بين مرضاه..وقال«ما خرجنا حتى ضاقوا بنا ذرعاً»، نافياً أن يكون خروجهم بسبب إبعادهم عن المناصب، وسخر من الحديث حول قيام الانتخابات في ظل منع القوى السياسية من مخاطبة الجماهير منتقداً سيطرة المؤتمر الوطني على المنابر والساحات.. وأشار رزق إلى أن الحرية تنتزع، في حال رفض المؤتمر الوطني إفساح المجال وتطبيق مبادئ الدستور الذي كفل حرية التعبير وأنشد بيتاً من الشعر يقول:
وللأوطان في دم كل حرٍ يد سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
تلك الحدة التي بدت من حديث رزق قابلها هدوء في نبرات د.غازي، الذي مال كعادته لتحليل وتوصيف المشهد السياسي، حيث أشار إلى أن الأعوام الأربعة والعشرين الماضية فيها كثير من العلم الذي لا ينفع.. داعياً للفرز بين ما ينفع وما لا ينفع في تجربة الإنقاذ، ووصف واقع حال السودان اليوم بأنه يعاني من (انسداد الأفق)، ومضي بالقول «لو كنت مكان الرئيس لدعوت لاستفتاء» حول التحديات التي تواجه البلاد.. وقطع بأن القوى السياسية لا تملك تصوراً واضحاً للمرحلة القادمة..
وتسأل هل ستحظى انتخابات العام 2015م بالقبول من الشارع والمجتمع الدولي، إذ كانت كتلك التي جرت عام2010 م؟.. مشيراً إلى وجود تقارب بين القوى السياسية حول مطلوبات الدولة الحديثة، التي حددها في وجود دولة عادلة ونظام ديمقراطي فعَّال.. ودعا لأن تكون الدولة محايدة وعادلة في تعاملها مع الجميع، محذراً من استمرار حالة التماهي بين الحزب والدولة.. وأضاف (نحن ما شاعرين بأن الدولة تستوفي هذه الشروط)، مؤكداً أن هذا الواقع من شأنه زيادة الاحتقان، وانتقد غازي مصادرة الصحف وعدها تضييقاً على حرية التعبير، مبيناً أن وسائل الاتصال الحديثة توفر فضاءً لنشر الأخبار والأفكار.. وأشار غازي إلى ضرورة أن تسرع الحكومة خطوات بناء الثقة عبر إتاحة الفرصة للعمل بحرية، وتطبيق قيم العدل بمفهومه الواسع..
وختم بالقول«أسوأ ما يفعل المؤتمر الوطني هو التسويف حتى يحين وقت الانتخابات».. تلك اللهجة الناقدة، وذلك التوصيف الشديد من قبل قيادات الإصلاح الآن يذِّكر ببعض فصول الانقسام مطلع الألفية الجديدة، الذي كانت سمته الأبرز الطعن في الخصوم وتبادل اللوم وكثيراً من الشدة في القول، ويبدو أن رمال السياسة المتحركة ترسم مسارات جديدة للإخوة الأعداء، فالتقارب بين المؤتمر الوطني وصنوه الشعبي يرتكز على مقومات القناعة المتبادلة بأن ثمة جديد طرأ.. فهل يحتاج الإصلاح إلى عقد ونصف آخرين حتى تتقارب شقة الرؤى بينه والحزب الكبير؟!!.
ولعل ما يدعو المراقبين للمقارنة بين حال المؤتمر الشعبي عند المفاصلة وحال حركة الإصلاح الآن، هو النزوح المتبادل للقيادات، ففي الوقت الذي جدد فيه عدد من قيادات السائحين الولاء للحزب الحاكم، ضم الأخير الفريق محمد بشير سليمان، الذي لا يبدو أنه سيكون الأخير في ظل ما نسب لوالي القضارف السابق كرم الله عباس الشيخ من شك في جدية المؤتمر الوطني في إحداث الإصلاح المطلوب مع تأكيد تأييده لأطروحات حركة الإصلاح الآن.. ويبقى التساؤل مشروعاً ومشرعاً في إمكانية انضمام حركة الإصلاح الآن إلى منظومة قوى اليمين التي يقال إنها ستوحد صفوفها في أعقاب الردة التي شهدتها دول الربيع العربي، حيث أقصيت حركات الإسلام السياسي من ملعب أسهمت في إعداده.. فهل تستشعر حركة الإصلاح الخوف من كيد الأعداء، الذين غاصت أنيابهم في لحم الثور الأبيض، فتتناسى المرارات وتقبل على التحالف العريض، أم تمضي في طريقها فتأكلها الذئاب؟.
صحيفة آخر لحظة
تقرير : محي الدين محمد
ت.إ[/JUSTIFY]