«كلام عجيب» هو أن تخرج مجموعة الترابي من الحزب الحاكم وتخرج منها مجموعة خليل إبراهيم، وتذهب لتزاحم حركة تحرير السودان بإعلان حركة العدل والمساواة في دارفور ليتوسع بذلك نطاق معسكر الفتنة، والآن يقول المؤتمر الشعبي إن عودتهم وحوارهم مع الحكومة لن يكون ثمنه قضية دارفور. لكن هل المؤتمر الشعبي بعد تأسيس حركة العدل والمساواة يبقى مؤهلاً مثل حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي الأصل لإطلاق مثل هذا الحديث «الإنساني» حول أزمة دارفور؟! أم أن حديثه من باب الاستهلاك السياسي للتعتيم على مسؤوليته عن جزء عظيم من أزمة ذاك الإقليم؟! إن المؤتمر الشعبي يقول في مؤتمره الصحفي يوم الثلاثاء الماضي بداره إن قضية الحوار مع المؤتمر الوطني مربوطة بصورة كبيرة مع قضية دارفور. يا سبحان الله. وكنت في هذه المساحة أقول إن حوار الحكومة أو حزبها مع حزب الترابي لن تكون له قيمة البتة ما لم تضع جماعة خليل إبراهيم السلاح، فهي قد خرجت من هذا الحزب. وقضية دارفور الإنسانية المأساوية اشتركت في تفجيرها الحركة الشعبية (لتحرير السودان) طبعاً حينما أسس لعبد الواحد ومناوي النواة الأولى هناك لعملية نقل الحرب من الجنوب إلى الغرب.. دارفور وأيضاً كردفان الشمالية. لأن جنوب كردفان كانت قد أُدخلت مع النيل الأزرق ضمن مشروع تمرد الحركة الشعبية، والمشترك الآخر هو حركة العدل والمساواة.. جماعة خليل… أما الدولة فلا أظن أنها قدمت الدعوة لمنازلتها في دارفور. ولا أظن أن هناك من يرى مصلحة للحكومة في استمرار الحرب في أية منطقة داخل البلاد. ولنطرح على كبار أساتذة العلوم السياسية هذا السؤال: ما هي مصلحة الحكومة في أن تكون هناك حرب في إقليم دارفور أو كردفان او جنوب الإقليم الأوسط، أى ولاية النيل الأزرق؟!. وربما يظن بعض من يقرأ هذه السطور أنني في حالة دفاع سياسي هنا عن الحكومة، لكن هأنا ذا اطرح سؤالا على اهل الشأن ترى هل ستكون اجابتهم هي ان الحكومة بدأت الحرب باطلاق الرصاص في الفضاء، ومن ثم تكونت الحركات المتمردة لترد على ذلك ثم تبدأ الحرب وتحمل أوزارها؟! دعونا هنا نتجادل.. واذا لم يكن المؤتمر الشعبي بحكم تركيبته النفسية مؤهلاً للجدل، فلنتجادل مع صنوه في المعارضة (الحزب الشيوعي) فذلك صاحب (الديالكتيك) وهو مصطلح شيوعي معناه فن النقاش والجدل للوصول الى الحقيقة.. اذن نريد ان نصل الى الحقيقة، وهي في خاتمة المطاف أن الترابي نفسه إذا كان رئيس الجمهورية لما منع تمرد عبد الواحد ومناوي، وإن كان تمرد خليل لا يمكن ان يحدث، لكن الملاحظ ان الهجمات الخطرة على المتمردين الآن تأتي من بعض حركات تحرير السودان، وقد انحسرت هجمات حركة العدل والمساواة، كما انحسرت هنا تصريحات المؤتمر الشعبي النارية ذات قيمة التحريض على إسقاط الحكومة.وكان المؤتمر الصحفي لحزب الترابي عاطفياً جداً، ولا يحمل موضوعية سياسية لاتخاذها أرضية صلبة لإنتاج الحل الناجع للإقليم. فهو يتحدّث عن مناقب لا يختلف فيها معه أحد، ولو كان أعضاء الحزب الشيوعي، فرغم ارتباط اهل دارفور القوى بالاسلام وبالأراضي المقدسة، فإن الحزب الشيوعي لا يتحدث علناً عن عدم قيمة هذا الأمر بالنسبة له. ثم يقول المؤتمر الصحفي لحزب الترابي إن الجبهة الثورية اذا لم تأتِ فإن «الحوار» غير ذي قيمة، لكن إذا لم نلمس ضمانات حقيقية لعدم إعادة إنتاج التمرد مستقبلاً كما حدث من الحركة الشعبية ممثلة في قطاع الشمال، فما قيمة الحوار مع الجبهة الثورية حتى لو حاورت؟! إن العبرة والعظة تمليان على الدولة أن تتناول القضية من جذورها. لأن عملية وقف إطلاق النار لا تكفى.. إن حرب الجنوب بدأت بتمرد توريت 18/8/1955م وأنانيا في الستينيات وأنانيا (2) في السبعينيات والحركة الشعبية بعد ذلك. وبعدها سلّم قرنق راية الحرب في الجهة الأخرى لعبد الواحد، وفي الجهة الثالثة كانت راية موسى محمد أحمد، وبعد اتفاقية الشرق عادت الململة هناك. فكل أحد يدعي أنه الأنسب لتبنى مطالب يقول إنها مطالب المواطنين، وتبدأ هذه «المطالب» بنفس الموضوع أمن واستقرار المواطنين أنفسهم. والمؤتمر الصحفي للمؤتمر الشعبي غير موفق، وهو ليس أكثر من ظهور إعلامي وتملُّق للجبهة الثورية.
صحيفة الإنتباهة