الوطني من الإمتحان النظري إلى الامتحان العملي !
البشير طرح موجهات تتصل بمكافحة الفساد، وإعلاء مبدأ المحاسبة، وإعادة تعزيز الثقة فى جهاز الدولة التنفيذي والاداء الحكومي عامة، ومعالجة قضايا الاقتصاد والتعاون الدولي، وتفعيل قوانين الثراء الحرام، وفتح الباب للمقترحات من الكافة. كما دعا اعضاء حكومته -كلٌ فى مجاله- لتقديم المبادرات والتصورات الداعية الى تجويد الأداء.
كان واضحاً ان الحكومة السودانية -بهذا الخطاب الذي لم يتجاوزالـ30 دقيقة- قد قررت إحداث نقلة ملحوظة فى الاداء العام للدولة وإعادة ترتيب الاولويات وبسط هيبة وسلطان الدولة. وكان واضحاً أيضاً ان قضية الاصلاح التى أعلن عنها الرئيس البشير فى خطابه الشهير فى السابع والعشرين من يناير الماضي لم تكن مجرد مناورة سياسية عابرة، ولا محض حديث انشائي مطول بغرض إلهاء الساحة السياسية.
ولهذا فإن بالامكان استخلاص ملاحظات استراتيجية مهمة فى هذا الصدد أولها: ان الوطني وعلى الاقل فى الوضع الماثل يتحلّى بقدر كبير للغاية من الجدية والعزم يستتبع الدعم والشجيع من كافة القوى السياسية، ذلك أن المؤسف فى مواقف القوى السياسية المعارضة أنها لا تتفاعل مع الحاضر بالدرجة الكافية، كل نظرها إما فى الماضي وجراحاته وأزماته؛ أو هو فى أعلى نقطة تتجاوز الثريا، تتخيل فيها ان الوطني قد سقط تماماً وغاب عن المشهد، فى حين أن هذه الاصلاحات الجارية الآن -وحتى ولو اتسمت بالبطء- فهي في خاتمة المطاف اصلاحات لصالح الدولة السودانية، وهي رمية فى الاتجاه الصحيح ومن شأنها ان تفتح الباب واسعاً للمزيد من الاصلاحات على مختلف الأصعدة.
ثانياً: بدا واضحاً ان الوطني يسعى حقيقة الى قيام ممارسة سياسية راشدة يحاول إقامة الانموذج المناسب لها. صحيح أن فقدان الثقة من قبل القوى السياسية فيه قد يحجب عنهم مدى الرؤية السياسية الجيدة، ولكن نحن الآن فى منعطف تاريخي مهول ومؤشراته واضحة، فقد فرضت الأوضاع كلها على الوطني أن يقيم مضماراً للسباق السياسي بمواصفات جدية وجاذبة، ومن المهم هنا أن تدرك القوى السياسية انه ليس من الضروري، بل ربما كان من غير المناسب ان تعود -على حين غرة- ذات الممارسات السياسية الغابرة فى عهدي التعدديتين السابقتين بحذافيرها وبذات وتيرتها العميقة تلك. الاوضاع الآن فى حاجة الى قواعد جديدة ونهج أكثر جدة وعمل تضامني فاعل.
ثالثاً: من المفروغ منه أن اطروحة الاصلاح والموجهات التنفيذية التى طرحها البشير هذه يمكن اعتبارها ميزان اختبار على المديين القريب والبعيد بحيث يحاكم بها الوطني فى أدائه التنفيذي للمرحلة المقبلة، وفي ذات الوقت تقاس بها درجة حرارة جديته لمن لا يثقون فيه، فالممارسة الديمقراطية مشوار مطول وميدان فسيح والقضية ليست من يربح السلطة فى الغد القريب؛ القضية قضية بناء وطني متكامل، فهل ياترى تدرك القوى السياسية هذه الحقائق أم أنها فقط تنظر الى مقعدها من السلطة ؟
سودان سفاري
ع.ش