منى سلمان

في خشمك ومقسومة لـ غيرك

في خشمك ومقسومة لـ غيرك
[JUSTIFY]
ما بين (في خشمك ومقسومة لـ غيرك) وبين (يلمّها النمل وياطاها الفيل)، كانت حيثيات وتفاصيل المقلب الذي شربه (عبد الباقي) وأسرته الصغيرة وجعلهم يبيتون ليلتهم (القْوَى).
جرجر (عبد الباقي) قدميه بتثاقل قاطعاً المسافة الفاصلة بين محطة المواصلات وبيته المتواضع الصغير، الذي لا يتمايز عن باقي بيوت الحي، فالكل قد أحاط به البؤس والفقر إحاطة السوار بالمعصم .. تعود (عبد الباقي) على جرجرة قدميه يومياً في طريق عودته آخر النهار، بسبب الإجهاد من تعب سك الرزق طوال النهار، والذي يستحلبه عن طريق حمل البضاعة التي يأخذها من المورّد ويبيعها للمارة في طرقات السوق، كان يعود لداره يومياً وهو يحمل في كيسه رزق اليوم بعد أن يقايضه بـ شوية خضارات ومعها القليل من اللحم أو بدونه حسب التساهيل، حيث يسلّم الكيس لـ (حليمة) زوجته فتسرع به إلى المطبخ لتصنع منه وجبة غداء متأخر، يتناولوها مع ابنتهم الوحيدة (سامية) عن رضا .. حامدين شاكرين، بعد غروب الشمس وقبيل العشاء حيث تسد لهم خانة الوجبتين في أمان الله ..
ولكن ما جعل خطوات (عبد الباقي) في هذا اليوم بالذات تتثاقل أكثر من المعتاد، أنه قد عاد بخفي حنين من سعيه لكسب الرزق، بعد أن تسببت (الكشة) في فقدانه لـ (سبوبة) رزقه أو بضاعته التي يسترزق من بيعها .. دخل البيت مهموماً مثقل القلب، وقبل أن يلقي السلام أو يجلس ليرتاح، سألته (حليمة) عن كيس الخضار المعهود قائلة:
خير؟ مالك الليلة .. يد ورا ويد قدّام ؟!!
وضح لها (عبد الباقي) السبب في عودته بخفي حنين ناس البلدية .. ثم سألها:
كدي شوفي لينا مطبخك ده .. كان تلقي لينا فيهو حاجة تتاكل؟
أجابته صادقة (بري والله .. يخربنا).
تبادلا الأفكار في كيفية (الصِرفة) التي سيعالجون بها تلك المعضلة .. رفضت (حليمة) رفضاً باتاً فكرة شحدة صحن ملاح بعد أن (كتّروها) على الجيران حسب وجهة نظرها، كما رفض (عبد الباقي) فكرة الذهاب لـ سيد الدكان لـ جر طحنية أو زبادي مع كيس عيش على دفتر الحساب، فقد (كتّروها) أيضاً على سيد الدكان حتى اضطر لوضع لافتة (ممنوع الدين ولو جنّ حسنين) على واجهة دكانه .. قال (عبد الباقي) لـ (حليمة):
(جنّ حسنين) دي قاصدني بيها أنا عديييل ! .. ثم بعد برهة صمت سأل (حليمة):
عندك بصلات وشويّة زيت ؟
أجابته بـ (آي عندي)، فاقترح عليها عمل سخينة بصل، ثم التفت إلى ابنته (سامية) وطلب منها أن تذهب لبيت والدته (حبوبة مرضية) والذي يقع في نهاية الطريق، لتقول لها:
أبوي قال ليك اديهو منّك طرقتين كسرة.
دخلت (حليمة) إلى المطبخ لـ مباصرة حلة السخينة بينما انطلقت الصغيرة لبيت جدتها لتحضر الكسرة.
عندما دخلت الصغيرة لبيت جديها وجدت أن جدتها (حبوبة مرضية) قد غادرت البيت لبعض شأنها، فنقلت لعمتها الشابة اليافعة طلب أبيها، ولكن لأن البنات الصغار لا يعرفن بالضرورة مصطلحات (الشحدة) النبيلة، فقد دخلت تلك العمة للمطبخ وفتحت طبق الكسرة ثم ناولت بنت أخيها منه (طرقتين) بـ العدد، فهي لم تكن تعلم أن (طرقتين كسرة) إنما هو مصطلح رمزي وليس لتحديد الكمية، حيث قصد (عبد الباقي) بهذا الطلب، أن تعينه والدته بما يسد رمقه هو وأهل بيته من ما تبقى في طبق الكِسِرة خاصتها.
أكملت (حليمة) صنع السخينة ثم صبتها على طرقتين الكسرة وخرجت بها من المطبخ (بوخها يلوي) تسبقها رائحتها الشهية، التي زادها الجوع (لذاذة) لمجلس (عبد الباقي) وابنته في الحوش .. وضعتها أمامهم وهمت بالجلوس عندما طرق باب الشارع بشدة ..
أمسكوا أيديهم عن الطعام عندما سمعوا صوت عم (الخزين) صاحب الكارو الذي يستعين به أهل الحي في نقل حاجياتهم، وهو ينادي على أهل البيت مسلّما ..
صاح (عبد الباقي) من مجلسه أمام الصينية:
مرحب حباب الخزين .. أدخل الباب مفتوح.
دفع عم (الخزين) الباب ودخل ولكنه تردد لحظة عندما وجد صينية الطعام أمامهم، فبادره (عبد الباقي) بالقول في أريحية:
أرح آ زول .. بسم اللا .
لم يكذّب (الخزين) الظن وسارع لغسل يديه في الماسورة المجاورة لباب الشارع، وطلب منهم أن يفسحوا له مكاناً بينهم أثناء تقدمه نحوهم وهو يقول:
أبقوا رقاق !
ثم انقشط في منتصفهم وهجم على صحن السخينة .. مرت لحظات قام بعدها متنفضاً لغسل يده تاركاً لهم خلفه يتلمظوا الحسرة، بعد أن (نسف) الصحن في بضع لقمات وخلّاهم يتلفتوا !!

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email] [/JUSTIFY]