د. عارف عوض الركابي : الخروج عن النص في موضوع الربا
قال تعالى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٭ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ٭ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ٭ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٭ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ٭ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٭ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، هكذا جاءت نصوص القرآن الكريم واضحة في تحريم الربا، ومع هذا فهنالك من ينادي بالخروج عن النص، أصوات تتعالى أحياناً من الذين ألجأهم ضيق الحال إلى القول بالاضطرار لإباحة المحظور والخروج عن النص !! وما علم هؤلاء رغم حبهم للخير وحرصهم عليه في الجملة نحسبهم والله حسيبهم أقول ما علم هؤلاء أن أعداء الأمة لما فشلوا في تنفيذ مخططاتهم عبر الحروب والمؤامرات المختلفة تحولوا لاستدراجنا لكي نهدم البنيان من الداخل «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ»، وذلك عبر الخروج عن النص واستحلال ما حرم الله تعالى بأدنى الحيل وارتجال الفتاوى ومن ثم التعرض لغضب الله تعالى ولعنته والتعرض لحرب بلا هوادة «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ».
إن الواجب علينا الصدق مع الله تعالى ومعالجة الأمور عبر بوابة السماء، وما كان السلف رضوان الله عليهم يبحثون عن العلاج عند أعداء الله تعالى، بل عند الضيق يكون المخرج في الدعاء «اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا» فيكون الغيث النافع المبارك ولا يرون الشمس سبتاً، والله تعالى يقول: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»، لقد كانوا يعلمون أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة فيلجأون إلى التوبة والاستغفار وليس إلى ارتكاب المحظور والخروج عن النص، وقد كانوا يجدون فوائد الاستغفار العاجلة «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ٭ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ٭ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا»، وكان عمر رضي الله عنه يقرأ هذه الآيات في الاستسقاء ويقول: لقد طلبتُ الغيث بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر.
وقد كان خيار هذه الأمة يعرفون أن مفاتيح الرزق كلها تتعلق بالطاعة والاستقامة والوقوف مع النص، هذا وقد عدد العلماء منها أمثلة كثيرة وتكفي الإشارة إليها في هذه العجالة:
1/ الاستغفار والتوبة 2/ التقوى3/ التوكل على الله تعالى4/ التفرغ لعبادة الله تعالى 5/ المتابعة بين الحج والعمرة 6/ صلة الرحم 7/ الصدقات وعموم الإنفاق في سبيل الله تعالى 8/ الإنفاق على من تفرغ لطلب العلم الشرعي9/ الإحسان إلى الضعفاء10/ المهاجرة في سبيل الله تعالى 11/ شكر النعم 12/ الصلاة 13/ الهم بأمر الآخرة 14/ العمل للآخرة 15/ الاستقامة 16/ البكور في طلب الرزق 17/ الصدق والبيان 18/ النكاح 19/ المحافظة على الأدعية والأذكار الشرعية «أ / ذكر الخروج من البيت ب/ دعاء القنوت ج/ دعاء الاستخارة د/ دعاء الاستسقاء هـ/ مطلق الدعاء». وفي المقابل عددوا الأسباب الماحقة للرزق والمُذهِبة للنعم والمكاسب وهي كلها تتعلق بالخروج عن النص مثل: 1/ الكفر والشرك 2 / الإعراض 3 / الفسق والخروج عن أمر الله تعالى 4 / الكفر بالنعم 5/ أكل الربا 6 / الهم بالدنيــا 7/ إنفاق السلعة بالحلف الكاذب 8/ فتح باب المسألة وهكذا. إلخ.
ولعلنا نلاحظ أن الربا الذي يظن البعض أنه حل ناجح «عند الضرورة» قد جاء ضمن الأسباب التي تمحق الكسب والرزق وتُذهِب البركة، وعندما تقع الأزمات المالية والاقتصادية يجب أن يكون تفسيرها وحلها عبر بوابة اقتصادنا الإسلامي، لأن هذه الأزمات في حقيقتها عبارة عن نتيجة وأثر للأزمة الحقيقية التي تعاني منها الأنظمة الاقتصادية عموماً، وتعتبر هذه الأزمات مظهراً خارجياً وعرضاً من أعراض المرض الأصلي الذي يكمن في طبيعة الأنظمة التي تتعامل في الربا والمحرمات وتعتمد على الغش والكذب والمظالم، وبسط الحرية المطلقة والعمل بشتى الوسائل لتعظيم الربحية، وعبادة المال، ومتابعة الأهواء في التفضيلات والأولويات وغيرها، والذي لا ينظر إلى ما وراء هذه الأعراض سيكتفي بالتحليلات المادية والظاهرة التي تُغطي الحقيقة وتُزيِّف الواقع، كمن يتعامل مع مريض الملاريا بمعالجة الصداع والحمى التي هي عبارة عن أعراض المرض ويتغاضى عن المرض الأصلي الذي هو المسبب لهذه الأعراض، والملاريا في مثالنا هذا هي الربا والمحرمات والغش والنجش وبيع ما لا يملك البائع والكذب والمظالم وغير ذلك من مخالفات الضوابط الشرعية للمعاملات المالية أي «الخروج عن النص» بينما الصداع والحمى هما الأزمات والمشكلات المالية.
ولهذا فإن التفسير الصحيح للأزمات أن يقال إن السبب الرئيس هو التعاملات الربوية ومخالفة الضوابط الشرعية للمعاملات المالية والخروج عن النص، والذي يتعامل في الربا يجب أن يتوقع مثل هذه الأزمات والنكبات، حيث أن الله تعالى قال: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ»، فبيَّن سبحانه وتعالى أن الربا ممحوق، وجاء بيان ذلك في السُنَّة أيضاً، ففي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة ــ وفي لفظ ــ قال: الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل»، وهذه هي نتائج الربا وحده، فكيف إذا أضفنا إليه المظالم وبقية المحرمات؟ لا شك أن الأزمات المالية والاقتصادية ستكون نتيجة طبيعية ومتوقعة لهذه التصرفات، فإذا عُلِم هذا؛ عُلِم تبعاً له، أن الربا مشكلة وليس حلاً، وأنه مصيبة في الدنيا والآخرة، وقد كنا نقول إن تأثرنا بالأزمات العالمية سيكون بمقدار وقوعنا في ما وقعوا فيه، أي بمقدار خروجنا عن النص.
وعليه فإن اقتصادنا الإسلامي هو الأصل الذي يجب أن نرجع إليه ونتمسك به، والمطلوب: القناعة اليقينية به، الإخلاص فيه، والتعبد به لله تعالى، وإبرازه وحسن عرضه، والجِدِيَّة في التطبيق والصبر على طول الطريق، وعدم التعجل، وعدم التنازل عن الثوابت وعدم تتبع الرخص، المراجعة والتصحيح حتى لا ينسب الفشل للدين، وتأهيل الكوادر العاملة وتوعية العاملين والمتعاملين، وإقناع أو إبعاد المتشككين، وتفعيل الدور الرقابي للدولة ولهيئات الرقابة الشرعية.
ويجب أن نعلم أن النشاط الاقتصادي في الإسلام له أبعاده العقدية والإيمانية والأخلاقية، فلا توجد سيادة مطلقة أو حرية مطلقة، حيث أن المسلم يتقيد بالعقيدة والأخلاق والضوابط الشرعية والتربية الدينية ومراعاة حقوق الآخرين، وإن علاج إشكاليات العقيدة هو سبيل علاج إشكاليات الاقتصاد، قال تعالى: «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ»، فبدأ بعلاج قضية العبودية لله تعالى قبل الكلام عن نقص المكيال والميزان، ولا شك أن المسلم المُمارِس للنشاط الاقتصادي يجب عليه أن يُفرِّق بين الحلال والحرام، وبين الطيبات والخبائث، وبين العدل والظلم وهكذا، ومن يشذ عن هذا فإن للمجتمع والدولة حق التدخل ووضع الأمور في نصابها بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع.
ومن المسائل المهمة التي بينتها السُنَّة أن الإنسان لن يموت إلاّ بعد أن يستوفي ما كتب الله له من رزق، فقد جاء في الحديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الناس فقال: هلموا إليَّ فأقبلوا إليه فجلسوا فقال: هذا رسول رب العالمين جبريل عليه السلام نفث في روعي: أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته»، وعليه يجب علينا أن نسعى للحلال الطيب متوكلين ومعتمدين على الله سبحانه وتعالى وليس على أنفسنا أو ما نملك فنحن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله تعالى، لذا يجب العمل بالأسباب والاعتماد على رب الأسباب لأن ترك الأسباب قدح في الشرع والعقل والاعتماد عليها شرك.
د. أزهري عثمان إبراهيم عامر
رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية جبرة العلمية الخرطوم
صحيفة الإنتباهة
ليس المطلوب توضيح حكم الربا ! المطلوب ايجاد بدائل له . مليون مقال و رسالة كتبت في الاقتصاد الاسلامي و لكنها لم تنتج نظرية واحدة .
لا داعي لاضاعة المزيد من زمن الناس في قراءة المواضيع المكرورة بغير فائدة .
[B][FONT=Times New Roman][COLOR=undefined]كيف تحارب الرباءعلي ارض مرفوع منها شرع الله[/COLOR] ؟[/FONT][/B]