كما أسلفت ذكرا أن القناة الثانية من التلفزيون الألماني استضافت حامد عبد الصمد المقيم بمدينة ميونخ لمناقشة مفهوم الفاشية الدينية ولم يكن بطبيعة الحال – المجال مفسوحا إلا للحديث عن الإسلام. قام عبد الصمد في هذا اللقاء التلفزيوني لا يلوي على شيء إلا ويكيل الاتهامات للدين الإسلامي والإساءة إليه منذ نشأته وعلى مر التاريخ، زاعماً أن مكة قبل الإسلام كانت أفضل بكثير مما أصبحت عليه بعده وأنها كانت تحوي جميع الأديان والأصنام إلى أن جاء فتح مكة الذي يعتبره بداية بذرة الفاشية الدينية في العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا عن مكة ووأد الطفلة قبل الإسلام؟ على سبيل المثال فقط.
يصف عبد الصمد الإسلام بأنه عبارة عن “حركة” كانت مستضعفة ولم تستطع إذذاك إلا أن تدعو مرغمة إلى مبدأ “لكم دينكم ولي دين”. لكن بعد أن قويت شوكتها حسب رأيه نزعت القناع عن وجه مكفهر وشرس تجاه الآخر فاستقوت على الشعوب الأخرى القاطنة بها وما كان منها في آخر المطاف إلا أن تهدم معبوداتها وأن تطرد الملل المختلفة التي كانت إلى ذاك الزمان تعيش في وئام بها. وفي هذا السياق أشار إلى أن كلمة النبي (ص):”اذهبوا فأنتم الطلقاء” التي قالها لكفار قريش ليس لها أي أساس لأنه قالها لهم بشروطه هو، وكانوا مرغمين على اتباعها، رضوا أم أبوا.
في ندوة أخرى بالأنترنت يجدها كل من يريد وبدعوة من الجمعية العلمانية بمصر يصرح عبد الصمد بأنه لا يريد الاحتكام إلى الإسلام في عصرنا هذا لا في الدين، لا في السياسة ولا حتى في التشريع لأنه دين أكل الدهر عليه وشرب وأن هذا الدين الفاشي نشأ في القرن السابع عند فتح المسلمين لمكة ويقول: أنا أؤرخ لذلك؛ ومضيفا: “أنا مصمم أن بذرة الفاشية موجودة في الإسلام والحكم الإسلامي وأن هذا ما أدى إلى ظهور ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والسلفيين والإخوان الخ”.
لكل منّا يا سادتي الحق في أن يطرح آراءه كما يرى لكن أن ينبري رجل دون علم ودراية بعلوم الدين الشائكة، ويضع أمة باسرها في قفص الاتهام ويرميها بأقذع الألقاب (الفاشية) دون دلائل بينة وحجة قوية ودون دراية بعلوم تأريخ الدين الإسلامي فهذا ما لا يقبله العقل ولا المنطق وما لا تستسيغه النفوس. لذا عليه أن يبقى في كتاباته الروائية وأن يسعي دائبا في وجود قراء لقصصه الكثيرة، فما نحن في حاجة لهذا الخزعبلات اللاعلمية ولا إلى الطرح الانطباعي الذي لا يمت إلى العمل العلمي بأدني صلة. ولسنا قربة أو جوخا ليفرغ بهما أحاسيسه وأحقاده ضد سياسة بلده. فكل ذلك لا يرقى إلى أن يصل إلى درجة وريقة بحث علمية وما هو من العلم في شيء. فإنني يا سادتي بكل صدق وأمانة مع تسامح الأديان وحرية المعتقد وضد أسيسة الدين وضد التطرف الديني وضد التعصب الأعمى وضد “لغوسة” الدين بالسياسة وضد الرجعية ومع حقوق المرأة في طريق حضارة إنسانية للجميع وفي الآخر يقول تعالي في كتابه الكريم: “وإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
بقلم: د. محمد بدوي مصطفى
[email]mohamed@badawi.de[/email]
(صحيفة الخرطوم)[/SIZE]
