رأي ومقالات

تجليات: حامد عبدالصمد: “الفاشية الإسلامية بدأت بفتح مكة … !! (2)

ليس من شيمنا السب والتكفير يا أخوتي، لكننا نقابل الحجة بالحجة ونعلم أن فساد التطبيق لا يدل على فساد المبدأ وبلاوي العالم الإسلامي نعرفها كلنا وخمج الدين في الدولة واستعباد الخلق باسمه حقيقة قائمة بيننا لكنني أرجع وأقول لا توجد دولة واحدة الآن استطاعت أن تحكم بمبدأ المساواة كما نادى بها الإسلام فنحن في زمن تُهضم فيه حقوق البشر باسم الدين وحدث ولا حرج. بيد أن للإسلام صفحات نيرة ينبغي علينا من باب الانصاف أن نرجع إليها لنرى البينات. فما على الأستاذ عبدالصمد إلا أن ينظر على سبيل المثال لا الحصر إلى الدولة الإسلاميّة في الأندلس ويحكم على وجود الفاشية خلال قرونها الثمانية. ومصطلح الفاشية هو في حد ذاته مفردة اصطلاحية من صميم المعجم الأوربي ويتمحور في الدول التي دعمت هذه الأيدولوجية في اسبانيا وايطاليا وألمانيا في أواسط القرن العشرين. وبما أن المصطلح أوربي فما كان مني إلا أن أشير عمدا إلى دولة الإسلام في الأندلس الأوربي: ثمانية قرون عاش فيها الأوربيون تحت ظل الإسلام في الأندلس، لماذا لم يتطرق عبدالصمد لهذا العصر المزهر؟ فكل شيء في تطور حتى الدين، وحتى لو سلمنا فرضا أن الإسلام في مولده كان فاشيا، فهل بقي على هذه الوتيرة في الأندلس؟ إذا ما هي أسباب الازدهار و التمدن الحضاري في ذاك العصر؟ هل للإسلام دور لعبه فيها أم لا؟ ومن ثمة هل يجد عبدالصمد بين حضارات العالم الإنسانية – وإن كان بعضها لبعض ظهيرا – مثل تلك الحضارة التي عاشها الأندلس؟ ألم تكن هناك تعددية إثنية ولاهوتية في الأندلس؟ أي دين حكم فيها؟ وما كانت خلاصة الإرث الأندلسي؟ ألم تستند إليه أروبا المسيحية وبنت على قواعده رقيها وشموخها اللذان أشرقا بعصر التنوير؟ ألم تكن تلك هي اللبنة الأولى تجاه حضارة طالما كان يحلم بها الأوربيون بعد قرون طويلة من المجازر والحروب الشعواء والاقتتال باسم الدين؟ وماذا عن الصراع العقائدي في أروبا في العصور الوسطى وحتى الآن؟ أكان أيضا مبنيا على الفاشية؟ وفي القرن العشرين ماذا عن النازية وآثارها في التحولات الجيوسياسية في العالم أجمع؟ لا نريد أن نقابل واحدة بالأخرى، لكني أنشد ها هنا أن أقابل أطروحاته الواهنة بالحجة والطرح المستنير.
كما أسلفت ذكرا أن القناة الثانية من التلفزيون الألماني استضافت حامد عبد الصمد المقيم بمدينة ميونخ لمناقشة مفهوم الفاشية الدينية ولم يكن بطبيعة الحال – المجال مفسوحا إلا للحديث عن الإسلام. قام عبد الصمد في هذا اللقاء التلفزيوني لا يلوي على شيء إلا ويكيل الاتهامات للدين الإسلامي والإساءة إليه منذ نشأته وعلى مر التاريخ، زاعماً أن مكة قبل الإسلام كانت أفضل بكثير مما أصبحت عليه بعده وأنها كانت تحوي جميع الأديان والأصنام إلى أن جاء فتح مكة الذي يعتبره بداية بذرة الفاشية الدينية في العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا عن مكة ووأد الطفلة قبل الإسلام؟ على سبيل المثال فقط.
يصف عبد الصمد الإسلام بأنه عبارة عن “حركة” كانت مستضعفة ولم تستطع إذذاك إلا أن تدعو مرغمة إلى مبدأ “لكم دينكم ولي دين”. لكن بعد أن قويت شوكتها حسب رأيه نزعت القناع عن وجه مكفهر وشرس تجاه الآخر فاستقوت على الشعوب الأخرى القاطنة بها وما كان منها في آخر المطاف إلا أن تهدم معبوداتها وأن تطرد الملل المختلفة التي كانت إلى ذاك الزمان تعيش في وئام بها. وفي هذا السياق أشار إلى أن كلمة النبي (ص):”اذهبوا فأنتم الطلقاء” التي قالها لكفار قريش ليس لها أي أساس لأنه قالها لهم بشروطه هو، وكانوا مرغمين على اتباعها، رضوا أم أبوا.
في ندوة أخرى بالأنترنت يجدها كل من يريد وبدعوة من الجمعية العلمانية بمصر يصرح عبد الصمد بأنه لا يريد الاحتكام إلى الإسلام في عصرنا هذا لا في الدين، لا في السياسة ولا حتى في التشريع لأنه دين أكل الدهر عليه وشرب وأن هذا الدين الفاشي نشأ في القرن السابع عند فتح المسلمين لمكة ويقول: أنا أؤرخ لذلك؛ ومضيفا: “أنا مصمم أن بذرة الفاشية موجودة في الإسلام والحكم الإسلامي وأن هذا ما أدى إلى ظهور ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والسلفيين والإخوان الخ”.
لكل منّا يا سادتي الحق في أن يطرح آراءه كما يرى لكن أن ينبري رجل دون علم ودراية بعلوم الدين الشائكة، ويضع أمة باسرها في قفص الاتهام ويرميها بأقذع الألقاب (الفاشية) دون دلائل بينة وحجة قوية ودون دراية بعلوم تأريخ الدين الإسلامي فهذا ما لا يقبله العقل ولا المنطق وما لا تستسيغه النفوس. لذا عليه أن يبقى في كتاباته الروائية وأن يسعي دائبا في وجود قراء لقصصه الكثيرة، فما نحن في حاجة لهذا الخزعبلات اللاعلمية ولا إلى الطرح الانطباعي الذي لا يمت إلى العمل العلمي بأدني صلة. ولسنا قربة أو جوخا ليفرغ بهما أحاسيسه وأحقاده ضد سياسة بلده. فكل ذلك لا يرقى إلى أن يصل إلى درجة وريقة بحث علمية وما هو من العلم في شيء. فإنني يا سادتي بكل صدق وأمانة مع تسامح الأديان وحرية المعتقد وضد أسيسة الدين وضد التطرف الديني وضد التعصب الأعمى وضد “لغوسة” الدين بالسياسة وضد الرجعية ومع حقوق المرأة في طريق حضارة إنسانية للجميع وفي الآخر يقول تعالي في كتابه الكريم: “وإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

بقلم: د. محمد بدوي مصطفى
[email]mohamed@badawi.de[/email] (صحيفة الخرطوم)

‫3 تعليقات

  1. كلامك جميل يا د. البدوي لكن لم توفق في الآية الواردة في نهاية المقال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الواو دي جبتها من وين !

  2. أخي الدكتور محمد بدوي مصطفي إن تسليطك الضوء لمثل هؤلاء الكتاب الإلحاديين وايراد ما يكتبونه في مثل هذه المواقع المنتشرة
    يسهم في نشر افكارهم فتجد ضعيفي النفوس وقليلي الادراك والتمعن فينساقوا وراء هذه الافكار ولا تفتي أن ينادو بها بعد حين

    اعرف قصدك ومسعاك لتفنيد ارائه لكني لم اراك تسوق حججاً عقلية لتفنيد هذه الاراء

    هناك اشخاص أقوى منك في هذا المجال ويستطيعون إقناع الامة بضلال هذا العبد الصمد

    اخي الدكتور ربما لك مبرراتك ولكن هذي رؤيتي

    وجزاك الله خيراً

  3. [SIZE=5]الأندلس وجع في قلب كل من يعرف معنى الحضارة ….الفردوس المفقود

    والحقد الصليبي أبان عن نفسه فيما فعلته الملكة إيزابيلا عندما نكلت بالمسلمين وحرقت مؤلفاتهم في ساحة قصر الحمراء لدرجة أن أهلها سخطوا عليها لأنها كما قالوا ضيعت على بلادهم تراثا قيما
    وأيضا الفرنسيون تمنى بعضهم لو كانت نجحت حملة الغافقي فقد كانت كفيلة بنقلهم إلى الحضارة بوقت أسرع مما حدث [/SIZE]