منى سلمان
ترويسة هتشكوكية في ضيافة عبود أخو جمال !!
عبود أخو جمال !![/ALIGN] قال احد المنظّرين ما متذكّراهو منو: (عندما تكون في روما افعل كما يفعل الرومان) أو قال حاجة قريبة من كدي .. برضو ما متأكدة !
ما علينا .. المهم حكمة الزول ده تسللت لثقافة البعض من الطلاب السودانيين بالاسكندرية زمنّا الكانا هناك، حيث صارت لهم شعارا بعد ان حرّفوها لـ (طالما انك في مصر فعليك أن تحتفل برأس السنة على طريقة المصريين) .. حيث تسللت طقوس وممارسات الاحتفال برأس السنة الميلادية إليهم، والمتمثلة في الاسراف على النفس بالاحتفاء والسهر، ثم عندما ينتصف الليل – أي في تمام الساعة الثانية عشر ليلا – الوقوف في البلكونات والنوافذ لقذف زجاجات واكياس النايلون المملؤة بالمياه، بالاضافة لبقايا الطعام والبيض وكل ما تيسر من الكراكيب والاغراض القديمة من فوقها، لتقع على رؤوس المارة ممن دفعتهم شقوة الحال للتواجد في الطرقات ساعة التمام لعملية التسليم والتسلم بين عام مضى وعام آت.
كذلك كانت هناك البعض من محاولات الاحتفال برأس السنة في بيت الطالبات، حيث تتجمع الطالبات في الاستقبال لتتشارك الاحساس بالحاصل حوالينا، إلا ان تلك الاحتفاليات كانت كـ نوع من اجتماع المتعوس على خايب الرجاء، حيث تنتهي دائما بمواويل البكاء ووحشة الاشتياق وتذكّر لمّة الأهل، كما انها النصيحة لـ الله – لم تخلو من بعض (جديع القزاز) و(المصاقرة) بتبادل الزغاريد مع جارات الحي في جوف ظلمة الليل وعبر أثير البلكونات !
عشان نكون منصفيين يا جماعة حقو ما نسوي حبايبنا المصريين حيطتنا القصيرة،ونعزي إليهم السبب في تسلل سلوكيات وممارسات الترويس السيئة لثقافة مجتمعاتنا المحلية وبالذات المخملية المطبوعة على حب التقليد، فـ هناك الكتير من الشعوب العربية تنتشر لديها تلك الممارسات وان كان تأثرنا بجارة الوادي هو الأكثر من بينها، وقد صار السير (كداري) ليلة رأس السنة في شوارع بعض الاحياء الخرطومية الراقية، مخاطرة غير مأمونة العواقب تجعل (المفلّقين) من عابري الطريق في حالة تأرجح بين كظم الغيظ والتسامح بـ (سلاخية يا أهل الله)، وبين الدعاء وصب اللعنات على الـ (ضربوهم) !
نرجع لموضوعنا الأولاني، فعندما لاحظت احدى اخواتنا (الصالحات القانتات) تسلل ثقافة الترويس لأدبياتنا، ناصحتنا بمحاربة تلك العادة الدخيلة واستبدالها بأخرى مستمدة من نبع اسلامنا الصافي .. حيث اقترحت علينا بدل (فليق الناس) أن نسهر الليل في ليلة رأس السنة قياما وذكرا، ولنتفكر في ما انجزناه خلال عامنا المنصرم وما نسعى لتحقيقه في عامنا المقبل.
أعجبتنا الفكرة فتواعدنا اكثر من عشرة طالبات – على اللقاء في شقة بعض أخواتنا، لنحتفي بالعام الجديد بذكر الله وقيام الليل .. وقد كان.
سارت الليلة كما خططنا لها، ذكر وصلاة إلى ما بعد منتصف الليل، وعندما دهمنا النعاس ذهبت احدانا للمطبخ لتصنع لنا (دور) شاي صاموتي يعيننا على السهر ..
كانت بالمطبخ بلكونة صغيرة تفصل بينها وبين بلكونة الشقة المجاورة مسافة بسيطة .. عندما دخلت زميلتنا للمطبخ شبة المظلم وحملت براد الشاي للماسورة، فوجئت بظل ضخم لرجل ينعكس على الحائط، وسمعت صوتا غليظا مخمورا يناديها قائلا:
سنة حلوة يا سمارة.
القت زميلتنا بالبراد واندفعت إلينا تصرخ بهستريا وتردد كلاما مبهما فهمنا منه على طريقة احسان عبد القدوس أن ( في مطبخنا رجل) وكمان (مبسوط) !
سرت حمى الصراخ المتشنج وعم الزعر وبلغت القلوب الحناجر، عندما تناهت لاسماعنا من المطبخ أصوات مواويل الغزل من صاحبنا:
فينك يا سمارة .. ما تخافوش دنا بحب السودان .. مش جمال أخو عبود وعبود أخو جمال ؟!!
وبما أن الشقة مؤمنة بحيث لا يمكن أن يقتحمها دخيل، فقد زاد (البينا) عندما خطرت لنا فكرة أن هذا الصوت لعفريت قديم من زمن (عبود أخو جمال)!!
طبعا لصغار السن الما عارفين نشرح: فقد قصد بـ (جمال) الزعيم جمال عبد الناصر، و(عبود) هو الفريق ابراهيم عبود .. يبدو أنها كانت هتافاتهم أبان بناء السد العالي في محاولة لـ (لحس) لب وقلب الفريق عبود بمعسول (كلام الخوة والمروة)، كي يزينوا له اغراق حلفا !
ما علينا .. مضت أكثر من نصف ساعة من الرعب قضيناها في انتظار خروج ذلك العفريت من المطبخ لالتهامنا واحدة وراء الاخرى تحلية راس السنة، وعندما لم يظهر تشجعت احدانا وذهبت للمطبخ واضاءت النور، لنكتشف أن العفريت لم يكن سوى عجوز عزّابي ومسكين في الشقة المجاورة، عزّ عليه أن يحتفل برأس السنة على طريقة (وحيد يا ناس برايا)، فقرر أن يتشارك الاحتفال مع (دستة) بنات الجيران السمراوات، وعندما كان يقف على بلكونته وقع ظله على الحائط من بعيد فتهيأ لصاحبتنا أنه يقف داخل مطبخنا.
ذهب ما بنا من روع وتحول إلى تبادل اللوم على خوفتنا ورهافة قلوبنا .. قالت احدانا:
ما بتخجلن؟ نحنا دستة بنات قصاد عفريت واحد .. يعني لو كلو واحدة قالت ليهو (أووف) مش كان طار؟!
تحول قيام الليل بعدها لحكاوي الشياطين والبعاعيت والشقق المسكونة وما أكثرها، فـ للاسكندرية سمعة تضاهي سمعة سواكن في هذا الشأن .. المهم تحولت الترويسة إلى راس نيفة والسلام !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com