تحقيقات وتقارير

الإعلام بين المسؤولية والحرية .. الخوف من عودة (مقص الرقيب)

ميدان جديد من ميادين الحوار الوطني فتحته الحكومة ظهر أمس عبر وزارة الإعلام وهي توجه الدعوة لقادة الإجهزة الإعلامية ورؤساء التحرير وكتاب أعمدة الرأي للمشاركة في ندوة بعنوان: (الإعلام بين المسؤولية والحرية)، التي أتت في إطار حملة الحوار الوطني بين الحكومة ومكونات الساحة السودانية، حيث افترعها رئيس الجمهورية بالمائدة المستديرة والتي التقت حولها جل القوى السياسية، ظهر أمس كانت للإعلاميين مائدة أخرى للتداول حول الحوار الوطني إعلامياً، ورغم العنوان (المخيف) للندوة والذي قدم المسئولية على الحرية، ولكأن القائمين على أمر الندوة من لدن وزير الإعلام د. أحمد بلال ووزير الدولة ياسر يوسف، أرادوها رسالة واضحة المعالم والحروف لقبيلة الصحافيين باقتران المسؤولية بالحرية، وبدا للحاضرين الأمر وكأنه أمر مشروط فكان العنوان البارز (المسؤولية مقابل الحرية).
حضور أنيق كان الحضور الأنيق لقادة الأجهزة الإعلامية أبرز سمة لندوة أمس والتي تغيب عن تشريفها حضوراً في لحظاتها الأخيرة مساعد رئيس الجمهورية بروفيسور إبراهيم غندور لظرف عائلي وهو (وفاة خاله حمدان إدريس ) بالنيل الأبيض إلا أن القائمين عن الأمر تداركوا الظرف الطارئ ، فجاء على عجل رئيس البرلمان د. الفاتح عز الدين ــ كما قال ــ تشريفاً ومخاطباً للندوة إلا أن الرجل وجهت له صحافة الخرطوم مدفعيتها الثقيلة عبر انتقادات عدة نعود لها لاحقاً، أبرز المشاركين للندوة من قادة العمل الإعلامي كان محمد حاتم سليمان مدير التلفزيون القومي ومعتصم فضل مدير الإذاعة والجنرال حسن فضل المولى مدير قناة النيل الأزرق، وعوض جادين مدير وكالة السودان للأنباء بجانب السفير العبيد أحمد مروح الأمين العام لمجلس الصحافة والفاتح السيد الأمين العام لاتحاد الصحافيين، بينما تقدم ركب رؤساء التحرير (العميد) الأستاذ محجوب محمد صالح، عادل الباز ود. ياسر محجوب الحسين والصادق الرزيقي وضياء الدين بلال وعبد الرحمن الأمين وإدريس الدومة ورحاب طه.
انتقادات واسعة الندوة بدأت بتلاوة للقرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس حول إطلاق الحريات السياسية والإعلامية والذي تلاه وزير الإعلام، تلته انتقادات واسعة من القبيلة الصحافية للوزير لعدم نشره للقرار الذي أصدره البشير الأسبوع الماضي حتى يقف الجميع على ما جاء فيه، فكان تبرير الوزير بلال أن القرار أصدر الأربعاء وجاء إليهم الخميس وأخضعوه في الوزارة لمداولات يوم الأحد وتم إخراجه إلى الإعلام الإثنين. إلا أن تبرير الوزير لم يجد استحسان الحضور.
ما قل ودل الندوة التي بدأت بعد نصف ساعة من الزمن المعلن عنه زينها عميد الصحافة السودانية الأستاذ محجوب محمد صالح بورقة مثلت خارطة طريق رسمت ملامح العلاقة بين الحكومة والصحافة في ظل الانفتاح القادم، وهي وصفة جاءت على شاكلة (ما قل ودل) بحيث وضحت واجبات واستحقاقات كل طرف تجاه الآخر.
وأجمل صالح واجبات الحكومة تجاه الصحافة في ضرورة إبعاد جهاز الأمن عن دائرة الفعل الصحفي لأنه – كما قال ــ كان المسيطر على إدارة العمل الصحفي بالبلاد، وهو عهد تجاوزه السودان منذ عام 1946م إبان الحكم البريطاني وإعادة إدارة أمر الصحافة إلى مجلسها بجانب ضرورة إعادة الحكومة للنظر في اقتصاديات الصحافة فيما يتعلق بمدخلات الطباعة والضرائب وغيرها من العقبات التي تعترض العمل الصحفي، بجانب التزام الدولة بعدم العودة للممارسات التي قال إنها كبلت الصحافة طويلاً.
وفي المقابل فإن صالح طالب الصحافيين بالالتزام بأخلاقيات المهنة والالتزام بميثاق شرف مهني مجمع عليه يكون ملزماً للجميع، بجانب ضرورة اهتمام المؤسسات الصحفية بالتدريب المستمر للصحافيين.
تبرم عز الدين وجدت ورقة رئيس تحرير الأيام قبولاً من الجميع، مما جعلها تمثل أساس النقاش الذي دار خلال الندوة الذي ابتدره المسلمي الكباشي مدير مكتب الجزيرة في الخرطوم والذي تحدث طويلاً حول الحريات النظرية والتطبيقية، داعياً الحكومة إلى اقتران القول بالعمل فيما دعت إليه من حريات سياسية وإعلامية، وعدم حظرها للأنشطة السياسية والإعلامية. وخلال حديثه ومداخلته انتقد رئيس المنظمة السودانية للحريات الصحافية مكي المغربي عدم تخصيصه المسؤوليين خلال تصريحاتهم الإعلامية مستشهدًا بتصريح رئيس البرلمان، د. الفاتح عز الدين أمس الأول في الدمازين وقوله: (إن السودان صنع صاروخاً مداه 200 كليومتر) مضيفاً أن هذا التصريح كان ينبغي أن يصدر من وزير الدفاع وليس رئيس البرلمان.

ولاحقاً رد عز الدين على المغربي بأن حديثه حول الصاروخ جاء في سياق التعبئة العامة والتي هي من صميم عمل البرلمان حيث كان يخاطب حشداً من الجنود.

عز الدين أبدى تبرماً من هجوم المغربي وعبد الرحمن الأمين، وقال في نقد مبطن: (حتى ولو هذا الحديث جاء مني في لحظة حماسة، لماذا تم تمريره إلى النشر عبركم) ؟ مضيفاً: (التلفزيون والإذاعة لا يمرران مثل هذا التصريح).
محاولة اختطاف رئيس البرلمان لم يسلم أيضاً من مدفعية رئيس تحرير الخرطوم عبد الرحمن الأمين الذي انتقد قيام البرلمان واستباقه مخرجات الحوار الوطني بتنظيمه ندوة حول الهوية السودانية، مضيفاً أن ذلك ليس من صميم عمل البرلمان الذي اختصاصه وضع التشريعات والقوانين بالبلاد.

ولم يسلم وزير الإعلام د.أحمد بلال والأمين العام لمجلس الصحافة السفير العبيد المروح من مدفعية الأمين الذي استنكر قيام الندوة بوزارة الإعلام واعتبرها محاولة اختطاف للصحافة من المجلس، وهي ذات الملاحظة التي أبداها عبد الرحمن للعبيد عند ولوجه قاعة الندوة إلا أن العبيد أجابه بقوله ليس الأمر كما تظن بل إنها محاولة لتبادل الأدوار وتقديم وصفة عملية لما سيتم.
ضمانات وقتية ضياء الدين بلال رئيس التحرير، كان أكثر جرأة حين طالب بضمانات وقتية من قادة أجهزة الأمن المعنيين بالصحافة بعدم عودة الرقابة الأمنية إلى الصحافة من جديد، بجانب ضرورة العمل على تلافي سلبيات المرحلة السابقة التي وصفها بالقاسية. الكاتبة الصحافية سمية سيد لم تذهب بعيدًا عن حديث ضياء لكنها نادت بضرورة إخضاع أمر الحريات الصحافية للكثير من النقاش لاستصحاب آراء الآخرين ووجهات نظرهم، بينما نبه محمد مبروك إلى افتراع صحيفة أخبار اليوم ندوات الحوار الوطني باستضافتها سياسيين حول الحوار الوطني.

وكان المدون والناشط الإلكتروني زهير عثمان حمد قد تحدث في الندوة مطالباً بضرورة اهتمام الدولة بالإعلام الإلكتروني وإعطائه أهمية باعتباره الإعلام القادم ولما يمثله من خطورة بالغة.
حرية وكبت حديث وزير الإعلام والذي جاء في مجمله ردًا وتعليقاً على ما آثاره المشاركون في الندوة، حيث أمن على المسؤولية المشتركة يتساوى فيها الجميع على ألا يعلو فيها أحد على أحد، داعياً إلى التحلي بروح المسؤولية في ظل وجود الحرية التي قال إنها لا ينبغي أن تكون مطلقة حتى لا تؤدي إلى فوضى وألا يكون هناك كبت حتى يؤدي ذلك لاستعباد، مشيراً إلى أن ما أتيح الآن من حريات لم يكن متوفراً من قبل.
غزل أحمر رئيس البرلمان، د. الفاتح عز الدين بدأ حديثه بالتأكيد على مضي الحزب الحاكم في الحوار إلى نهاياته وصولاً لمبتغاه، مقراً في ذات الوقت بأخطاء الماضي واستعدادهم لمعالجة تلك السلبيات.
لكن عز الدين عاد ليقول: (لا أتوقع أن تذهب كل الإرادة الوطنية نحو الاجماع حول مخرجات الحوار الوطني) وأضاف أن بعض التيارات لا زالت تبحث إمكانية الدخول في الحوار كأحزاب اليسار التي وصفها بالأنضج والأفضل سياسياً مقارنة بالتيارات الشبيهة لهم في العالم، مرجعاً ذلك لتشبعه بكريم الخلق السوداني، مضيفاً بأنهم في الحزب الحاكم ليس لديهم (مشكلة) مع أهل اليسار ويقدرون عالياً مساهماتهم المتعددة في الشأن السوداني. وأشار الفاتح إلى أن السودان ليس ملكاً للمؤتمر الوطني وإنما ملك للجميع داعياً بأن يكون الوطن هو القاسم المشترك بين إبنائه ليديروا حواراً واسعاً حول قضاياه وهمومه المختلفة.
مشاهد وكواليس – حفلت الندوة أمس بحضور كثيف لوسائل الإعلام المختلفة وتبارى نحو حضور الندوة كبار وقادة الصحافة، وشملت الندوة كل الفئات العمرية المهنية للصحافة.
– وزير الدولة ياسر يوسف قدم الندوة وكان صارماً في توزيع الفرصة والزمان مما مكنه من إنهاء الندوة في وقتها المحدد بساعتين بدأت عند الثانية والنصف واختتمت عند الرابعة والنصف عصراً.
– الحضور النسائي كان لافتاً تقدمته سميد سيد و د. سامية علي وواصلة عباس وكثير من الزميلات ممن غابت ملامحهن وسط زحام المشاركين.

– اللواء السر أحمد عمر الناطق الرسمي باسم الشرطة شكل بدروه حضوراً أنيقاً في الندوة ولم يسلم من مداعبة الزملاء (المريخاب) وإثارته من منطلق موقعه كناطق رسمي لمجلس نادي الهلال.
– وزير الإعلام وعد بأن تكون الندوة نواة لحوار إعلامي شامل حول الحريات الصحافية.
– أكثر من عشر قنوات فضائية محلية وعربية قامت بتغطية الندوة بجانب عدد من الإذاعات تقدمتها الأم (أم درمان).

صحيفة الصيحة
تقرير: رمضان محجوب
ع.ش