د.عبد السلام محمد : التخطيط الاستراتيجي يداهم الخرطوم .. (موضة) أم تداوي ؟
التغيير وماهو استراتيجي كلاهما الآن يأخذ طابع النغمة المستساغة على الألسن ويجعلنا نبدو عالميين، ولكن العبرة بالنوايا المخلصة والفعل المواكب، فالأمر وإن أخذ شكل المناسبة الطارئة ومجاراة الموضة السياسية لكنه عالمي محكه الدراسات والبحوث والعلاقات الذكية.. علة الموضة هذه لم تعد قاصرة على الأسواق وإنما تداهم أيضاً الأوساط العلمية، والمناصب الدستورية، ومطابخ القرارت الخطيرة، ومنصات التتويج بشهادات(الآيزو).
التغيير وما هو استراتيجي كلاهما مما يشغل بال العالم اليوم وتتسابق اليه الدول وتخصص له أعتى الموازنات وتستقطب له أغلى الكفاءات، ولدينا الدليل من بلدان انكفأت على نفسها لزمن محدد، ثم خرجت لتفاجىء العالم بأنها أصبحت عملاقة.. الأمر سار أن تحشد حكومة الخرطوم الامكانات ويلازم التوفيق والسداد جهودها غير المسبوقة هذه في مجال التخطيط الاستراتيجي، كما راج الأيام الماضية عبر اجتماعات متلاحقة تتصدرها خبرات سودانية- كما حكت قناة الخرطوم وبصورة مكثفة- حتى ظننا أنه احتشاد لوضع استراتيجية قومية للبلاد كلها وليس لولاية الخرطوم.
أين الاستراتيجية القومية المفترض أن ترسى على أساسها الاستراتيجيات الولائية؟.. لا يتسق أن نكون استراتيجيين هنا ولا استراتيجيين هناك في دولة واحدة.. إن التخطيط الاستراتيجي هو أصلاً لمكافحة التناقضات والامبراطوريات والعمل بردود الفعل- اي ارتجالي- إن سيرة التغيير تشغل الناس الآن تماماً ووجود استراتيجية جامعة مانعة هو شرط التغيير الكلي البناء المؤدي للنتائج المنشودة، وفي الزمن المحدد وبأقل تكلفة.. هذه مبادىء متفق عليها عالمياً وعلمياً.. مثلما هو متفق على أن التحديات المداهمة والأزمات المصنوعة هي الاستعمار الجديد، ودونه تفكير استراتيجي يغتنم الفرص ويحسن توظيف موارد الدولة ويحفظ للبلاد هويتها.
التخطيط الاستراتيجي اليوم لا غنى عنه للأفراد والجماعات ولدواعي التحرر الوطني من كل قيود العصر وأزماته وضغوطه..إنه (أكسير) التداوي مما أقعد الدولة جراء الحصار والتكرار والتقادم وتصلب الشرايين وتأجيل عمل اليوم الى الغد.. إنه بمثابة روشتة ناجعة، ويحتاج لدراسات ولثقافة عامة تشاع ليتعامل الناس بوعي وبرشد وعدالة- اي بطريقة صحيحة في المعاملات الصغيرة، وداخل الوزارات والمؤسسات المسؤولة عن معاش الناس وحريتهم، وسيادة الدولة ومواردها ومصيرها..
يبدو أن ولاية الخرطوم لكثرة ما واجهت من أزمات طارئة تأثرت باسلوب (الحملات) كعلاج وقتي لتجدد الأزمات في شكل كوارث، فالصدى الإعلامي الكثيف صور لنا اجتماعات مجلس التخطيط الاستراتيجي وكأن في الأمر (حملة) مع أن هذا النمط من التخطيط هو عكس ذلك تماماً، هو طريقة تفكير تعتمد على المشاركة، عصف الذهن، وقف الفساد والهدر وحسن توظيف الموارد، الاستمرارية، النتائج الملموسة في الزمن المحدد، وأخيراً (التنفيذ هو الذي يجب أن يشغلنا أكثر) كما قال لنا خبير أجنبي على أيام بروفيسور الهادي التجاني الذي جعل مؤسسة التخطيط الاستراتيجي ملحقة برئيس الجمهورية مباشرة، كما اشترط الخبراء، لكن شرط (الاستمرارية) أطيح به ليلاً..لا ندري أين تذهب العلامات المضيئة.
على كل حال مشكور الدكتور عمر باسان الوزير الجديد المسؤول عن آلية التخطيط الاستراتيجي بالولاية، إذ بدأ بالتنقيب عن علامات مضيئة، وأتي بنجوم بعيدة وجعل الأمر(حدثاً) لافتاً للنظر إعلامياً، وإني أذكر له أنه قادم من مواقع استراتيجية مشهودة الأثر وأتمنى أن تكون عودته عودة من غاب وتأهل بدراسات استراتيجية تعينه على استقطاب كل من تخصصوا وتناءوا وتواضعوا وما أكثرهم في البلاد.
هذا جهد مقدر في الوقت المناسب، فالتخطيط الاستراتيجي اليوم سمة عالمية غالبة ومميزة للمجتمعات المتحضرة، وأساسه الفكري هو القدرة على إنتاج المستقبل الذي نريده.. إن المؤلفات الحديثة في الفكر السياسي والإداري والاجتماعي تتبارى في استكشاف محاسنه وتتغزل في عرضه وكأنه عصا موسى المدخرة لهذا العصر.. فيوصف بأنه رؤية لتحديد المسار الرئيسي للبلدان والمؤسسات على المدى الطويل، ويكشفون دواعي الأخذ به وأولها تجنب مخاطر القرارات الخطأ، ومواجهة حدة المنافسة والتغييرالمتسارع في الأذواق وندرة الموارد والتطور التكنولوجي الكاسح.
يوصف التخطيط الاستراتيجي بأنه الوصفة الشافية للإفلاس الإداري فهو يعمل على تحسين صورة الدول والمؤسسات، وتثري قدرتها على التعامل مع المشكلات دون جزع بإتخاذ القرارات الجماعية، ومشاركة العاملين، وكسب رضائهم ومواجهة المتغيرات والانتساب لمنظومة عالم الجودة- الإضافة، التحسين المستمر، تدارك الأخطاء قبل وقوعها، تحديد مواقع القوة والضعف، اغتنام الفرص، التحلي بالمعلومات الصحيحة والمهارات المبتكرة والعلاقات الإنسانية الحميمة، والقيم العاصمة من الزلل..
معالجات التخطيط الاستراتيجي والجودة والتغيير منظومة ثلاثية حديثة تبدو(لبن علي عسل) زاهية كالأمل المرجو منها وسط بيئة مدمرة تلاحقها القرارات الخاطئة والوعود المعكرة للمزاج العام.. لكن هذه المنظومة السحرية لا تنجو من النقد والهجوم من بعض المتأثرين بعوامل اليأس من الغد والإكتئاب، مما كسبت أيدينا فيحذرون أن تكون المسألة من قبيل(الشوفونية) و(الموضة) التي لا تلبث أن تنقشع فتذهب نتائج الاجتماعات سدىً ليبقى الحال في حاله..
(فال الله ولا فال هؤلاء).. استمر يا باسان وفقك الله، فلعل عاصمتنا القومية الصامدة تقال عثرتها، وتضرب المثل، وتهدي البلاد أنموذجاً في الحكم الراشد..المنشود (إستراتيجياً) فقط لا غير.
صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]