لماذا إرتبك الحزب الشيوعي السوداني حيال دعوة الحوار؟
القيادي بالحزب، صديق يوسف على سبيل المثال قال فى ندوة سياسية بجامعة أم درمان الاسلامية قبل أيام إن الحزب لا يرفض الحوار وإنما يتحفظ على طريقة إدارته! ثم يضيف فى موضع آخر مطالباً بعقد مؤتمر جامع لمناقشة كافة قضايا السودان ووضع خارطة طريق!
المتأمل فى ظاهر هذا النص السياسي يجد ألا بأساً فيما قاله القيادي صديق يوسف، فهو يقرّ بضرورة الحوار والدعوة لحل كافة قضايا السودان. ولكن حالما تمعنّا فى ما تحمله دلالات النص ومحمولات العبارات والمفردات فإن الأمر يثير القلق حقاً!
القيادي صديق يقول إن تحفُظهم ليس على الحوار وإنما في ادارة الحوار. وجه الغرابة هنا أن إدارة الحوار وكيفية إدارة ذلكم الحوار ومن يديره كلها أمور حتى الآن لم تجرِ مناقشتها، بل هي من صميم القضايا التى يتعين أن يدور حولها الحوار إذ من المعروف للقاصي والداني أن الحوار حتى الآن ليست له أسوار تحده ولا سقوفات تظله.
كل شيء قابل للنقاش والتداول وإلا لما استحق أن يُطلق عليه حواراً، وإذا كانت مطاعن الحزب على إدارة الرئيس البشير للحوار جرياً على المقولة الفلسفية “إن الذي كان جزء من الازمة ما ينبغي ان يكون جزءاً من الحل”؛ فإن إدارة الرئيس البشير للحوار مسألة خاضعة للنقاش والحوار.
صحيح أن البعض ممن كانوا حضوراً للمائدة المستديرة فى جلستها التاريخية الأولى اقترحوا رئاسة وإدارة الرئيس البشير -بوصفه رئيساً للجمهورية- للحوار، ولكن هذا المقترح ليس ملزماً لأحد ومن باب أولى ليس ملزِماَ للحزب الشيوعي السوداني. هذا الى جانب أن الرئيس البشير هو الذي قدم المبادرة للحوار واتخذ كافة التدابير الضرورية لعقده بما يؤكد أنْ لا فضل لأيّ حزب أو قوة سياسية من قوى المعارضة فى إطلاق مبادرة الحوار، ومن ثم فإن صاحب الدعوة والمتصدي الاول للقضية من الظلم بمكان تجريده من حقه في متابعة قضيته!
السكرتير العام للحزب الشيوعي من جانب آخر -أعاد تكرار ذات المقولة ولكن بذات الطريقة اللولبية الملتوية، فقد أشار فى جانب من حديثه الى ضرورة تهيئة مناخ تام، وحين حُوصِر بما تم من إجراءات تهيئة مناخ لجأ الى استدعاء التاريخ والحديث الممجوج عن ما بعد نيفاشا وقضايا التحول الديمقراطي!
إذا أردنا توصيفاً مباشراً ودقيقاً لحالة ومواقف الحزب الشيوعي فإن بالامكان ان نلحظ أنه، أولاً، لم يكن مستعداً للصدمة، إذ لم يدر بخلده ان الحكومة سوف تفعل ما فعلت ولهذا فإن كل تكتيكاته السياسية تبعثرت ويحتاج وقتاً طويلاً للتفاعل مع الواقع.
ثانياً، هناك صعوبة سياسية عملية تواجه الشيوعي السوداني كونه فشل في النيل من خصومه الإسلاميين طيلة ربع قرن من الزمان حتى انتهى الصراع مع وجود ذات خصومه الاسلاميين فى مقدمة الصورة وفى عمق المشهد وبكامل لياقتهم السياسية! ربما كانت بعض احلام الحزب الشيوعي أن يترجل خصومه التاريخيين تماماً وإلى الأبد عن المشهد، ولكن للسياسة أحكامها.
ثالثاً، يدرك الحزب أن وجوده وبقاؤه السياسي فى ظل سلطة الاسلاميين هو وجود وبقاء شبيه بالعدم، فهامش المناورة سيظل بالنسبة له ضيقاً وإمكانية حصد الحزب لأراضي سياسية جديدة ومكاسب سياسية فى حكم المنعدم، ولهذا فإن من الطبيعي ان يتأرجح موقف الحزب حيال قضية الحوار الوطني، فقد وجد الحزب نفسه مدعو الى مائدة ليست هي المائدة التى ظل يترقبها ويشتهيها!
سودان سفاري
ع.ش