حركات دارفور المسلحة، هل تهدر هذه الفرصة التاريخية؟
لن يكون من مصلحة هذه القوى المسلحة التى تباعدت المسافات السياسية بينها وبين اهل دارفور كثيراً جداً فى السنوات الاخيرة، ان تبحث (مجبرة) عن مادئة طعام سياسي افضل بعد انفضاض المأدبة الرئيسية فى الخرطوم، فمن جهة أولى العمل المسلح ومهما كانت فاعليته فإنه ينتهي تماماً فى اللحظة التى يجلس فيها الفصيل المسلح لمائدة التفاوض.
مقتضيات العمل السياسي تختلف تماماً عن مقتضيات العمل المسلح، ففي الوقت الذي يكون فيه حامل السلاح غير معنيّ بالافكار الايجابية البناءة وليس مطلوباً منه -بحكم كونه غاضباً- ان يقدم أفكار عملية بناءة وأن يتحمّل مسئولية البناء جنباً الى جنب مع بقية القوى السياسية؛ فإن حامل السلاح الذي يخرج باتفاقية سلمية من قاعة المفاوضات يتحول الى سياسي معرّض للمساءلة السياسية، ومطالب بانجازات على الارض بعيداً عن استخدام السلاح.
فلو ان الحركات المسلحة هذه لم تنتهز سانحة الحوار الشامل هذه فهي سوف تأتي فى وقت لاحق يكون فيه قادة القوى السياسية المختلفة قد قطعوا شوطاً فى البناء الديمقراطي والعمل الوطني وشكّلوا تحالفتهم ووضعوا برامجهم وستصبح هذه الحركات المسلحة حينها فى مؤخرة عربة القطار باختيارها هي وليس بفعل أحد.
من جهة ثانية فإن من شأن إلتئام الحوار الوطني وظهور جبهة سياسية داخلية متماسكة -وهذا أمر قد بدت الآن بوادره حتى قبل انطلاق الحوار الشامل- فإن فرص هذه الحركات المسلحة فى أن تستميل حزباً من الاحزاب، أو تمارس قدراً من المناورة السياسية سوف تقل الى حد التلاشي، وسيصبح الامر لاحقاً بمثابة مأزق صعب؛ فسواء الداخل السوداني أو الاقليمي أو الدولي فإن أحداً من هذه الاضلاع الثلاث لن يولي كثير اهتمام لهذه القوى المسلحة لأنَّ أحداً لن يكترث كثيرا بما جعلها تصرّ على هذا الغياب القاتل، في ظل استحالة تأثيرها على كفة المعادلة السياسية في السودان، ولو ظلت تقاتل لقرن من الزمان.
ومن جهة ثالثة فإن الحركات المسلحة هذه هي نفسها -مهما أنصفناها- فهي لا تعدو كونها (جزء يسير جداً) من النسيج السياسي والاثني فى دارفور. الأمر هنا لا يتعلق بالتقليل من هذه الحركات ولكن هذه هي الحقيقة ولهذا فإن ما فعله (سحر السلاح) ليس من الضروري ان يفعله (سحر السياسة) ومن الافضل لهذه الحركات المسلحة ان تلحق بتشكيل التحالفات الداخلية الذي سيحدث حتماً عقب انتهاء جولات الحوار الوطني مباشرة لأن كل حزب حينها سيكون قد عرف (قدر نفسه) وبات عليه ان يحدد مساره!
صحيح إن بعض قادة الحركات المسلحة هذه لديهم طموحات كبرى مشروعة وبعضهم يراوده حلم الحركة الشعبية الجنوبية وكيف توجت نضالها المرير بالحصول على دولة مستقلة؛ غير أن المعطيات والفوارق السياسية ستقف حجر عثرة أمام هذه الطموحات، بل إن ما تورطت فيه الحركة الشعبية الجنوبية الآن من صراع دامي يكاد يعصف بالدولة ودفع بعضهم للمطالبة بإعادة الوحدة من جديد مع السودان يكفي وحده درساً وعظة سياسية بليغة لكل من تسول له نفسه المبالغة فى أحلامه السياسية!
سودان سفاري
ع.ش