تحقيقات وتقارير

محمد يوسف في معية التحديات الصارخة مبذولاً كما الرجل المخلص لولاية الجزيرة، يمضي اليوم أو غداً في شارع الموت ليفترع أولى خطواته هنالك ويتسلم مفتاح قصر الضيافة

[JUSTIFY][SIZE=5]قبل ما يربو على العام كان ثمة وزير دولة انسل من صلب الترابلة يعتصم بمنزله في الحارة (21) الثورة، ويرفض مغادرة بيته البسيط إلى مساكن الوزراء الفاخرة، رغم الإلحاح الشديد بأن تبعات المنصب والبرتكول تحتم عليه أن لا يقطن وسط الأحياء الشعبية، إلا أنه يتمسك بجيرانه، ما بين الثورة الحارة (21) والثورة الجماهيرية الغاضبة يمور عقل الدكتور محمد يوسف وزير الدولة بالمالية والرجل الثاني الممسك بضرع البقرة، لم يصغ يوسف لنصائح متنفذين في مجلس الوزراء بأن وجوده في حي شعبي أقصى شمال أم درمان يتعارض مع مهامه التي تتطلب تواجده قريباً من كبار المسؤولين، وعندما كثر عليه الحديث قال قولته الشهيرة: “أنا أتحمل تبعات سكني في حي شعبي بعيداً عن الخرطوم، ولن أبدل جيراني بآخرين لا أعرفهم”، كان ذلك الموقف لافتاً ساعتها وأكبره فيه الكثيرون بما فيهم جيرانه الذين شهدوا صولاته وجولاته في بيوت الأفراح وصيوانات العزاء.!!

في وقت كانت فيه الصفحات التسجيلية الملونة عن إنجازات حكومة الزبير بشير طه تضج بها صحف الخرطوم يوم أمس، كان الدكتور محمد يوسف علي يوسف يتحفز لأداء القسم أمام الرئيس البشير والياً للجزيرة ومحيطاً بخاصرتها، أمس الأول عبر اسمه أوراق اجتماعات المكتب القيادي أواخر الليل بعد توصية من الرئيس البشير، قبلها رشح عنه القليل، إذن قطع دوي إعلان تسميته والياً للجزيرة الطريق أمام الشائعات والأسماء التي تناسلت بكثافة مهولة في الأيام السابقة، كلٌ يدفع ليكون هو المرشح الأمثل، ومع ذلك تبقى صورة الدكتور الذي خلف البروف مشوشة في مخيلة الناس، فقد جاء مسرعاً من خارج حيز الترشيحات ليفرض وجوده على المشهد الصارخ، دون أن يلم البعض بسيرته ذات المحطات القصيرة.

ثمة سؤال عن محمد يوسف، من هو؟.. وماذا يريد؟.. وما هي أبرز التحديات التي ستعترض طريقه؟.. وهل سيشكل حكومة جديدة ويدفع بأسماء أخرى للمعتمديات؟.. أم يمضي على مسار سلفه دون مبالاة بما يجري محاطاً باللعنات، محاصراً بأوجاع الناس؟؟.. الراجح أن يوسف سيعيد هيكلة المشهد هناك، فلا يبقى من الدولة العميقة غير أسماء الأماكن، ولربما الأماكن نفسها تتزين بزينة أخرى، قبل أيام انفردت (اليوم التالي) بخبر اختيار محمد يوسف خليفة للزبير، وهو الخبر الداوي الذي أرجأ خطوة المجلس التشريعي بسحب الثقة من حكومة الولاية حتى تتضح الرؤية، الحكومة التي تحلل منها الزبير من دون أن يحلها، فبقت حكومة بلا رأس تتوق إلى جادة الصواب وتبحث عن النور، المجلس أرجأ خطوة مشروع قرار سحب الثقة من الحكومة من أجندة الاجتماع ليقرر الوالي الجديد نفسه بشأنها، لكن حال الوالي الجديد أبقى على الحكومة القديمة، فلربما أعاد المجلس التشريعي النظر في الخطوة المؤجلة، خطوة سحب الثقة.

ربّما لم يخطر ببال الرجل الذي ولد بقرية أبوحجير في المدينة عرب أنه سيتقلد منصب وزير المالية بولاية الجزيرة، ويطوف على عدد من المشروعات أبرزها ديوان الزكاة، ومن ثم وزير الدولة بالمالية الاتحادية.. أنه سيضع قدمه في الخرطوم لأوبة أخرى، فتحمله موجة عاتية إلى مرفأ الشخصية التنفيذية الأولى في الولاية الأكثر ضجيجاً واشتعالاً، الولاية التي أعيت “الطبيب المداويا” من فرط الشكوى والبلوى، يوسف يمضي اسمه في الأوساط السياسية ومواقع التواصل الاجتماعي بسرعة خاطفة، من أي مكان خرج هذا؟.. وماذا يريد؟.. ولمَ هو بالذات مؤتمناً على الجزيرة في الوقت قبل الضائع..؟؟

الخلفية الأكاديمية ورصيد العمل في وزارات المالية التي مزجت تجربته في الحياة، جعلت منه شخصية صارمة إلى حد بعيد في إصدار القرارات ومتابعتها وإضفاء مسحة اقتصادية عليها، وفقاً للحسابات العملية التي درسها والمعارف التي يزخر بها عقله، فضلاً عن أنه مارس الزراعة بحكم التنشئة الأولى ما بين الترع والقناطر، ومع ذلك هو ابن الأزمة المتصاعدة في ولاية الجزيرة، فقد صعد من قبل وزيراً لماليتها في ذات ولاية البروف، وعاش وسط أجواء الصراع، ابناً وفياً للأزمة، لكنه وجد نفسه خارج دائرة الولاية بجراح ربما لم تندمل كلها، ذهب يوسف ضحية لصراعات الكبار هنالك، واختار أن يعبر معكوس النهر من الخرطوم، فيعود إلى مدني مشتعلاً بالحنين.. أوجه الشبه بين الدكتور والبروف أن كليهما يبدي زهداً في الحياة والمناصب وينطوي على حساسية مفرطة تجاه الفساد، حساسية الزبير انتهت بالتعايش مع المرض، لكن محمد يوسف هو عينة معملية جديدة، الأيام وحدها كفيلة بالحكم عليها، فهل سيكون أحمر أم أبيض.. مسيخاً من الداخل كما الطبيخ؟.. لا أحد يستطيع أن يحكم من الظاهر بالطبع، لكنه دون شك هو ثمرة التجربة الاقتصادية، يتعاطى مع الأرقام وحقائق الإنتاج على الأرض بكثير من الواقعية.

تقول فصول كتاب السيرة المبذولة لمحمد يوسف إنه من أبناء جنوب الجزيرة، ولو شئنا الدقة فقد شهدت قرية أبو حجير بالمدينة عرب صرخة الميلاد الأولى، تلقى تعليمه الأساسي هنالك، وانتمى للحركة الإسلامية في أوقات باكرة من حياته، ودرس الاقتصاد بجامعة الخرطوم، وكان محظوظاً على النحو الذي مكنه من السفر إلى آسيا وتحصيل دراساته العليا في اليابان، وبالضرورة تعلم اللغة اليابانية، كما أنه أحد مؤسسي شركة شيكان للتأمين، وقد عمل أميناً عاماً لديوان الزكاة الاتحادي، ووزيراً للمالية بالجزيرة والخرطوم، ومن ثم وزير دولة بوزارة المالية الاتحادية في أشد الأوقات صعوبة، وهي الفترة التي تراجع فيها الاقتصاد على نحو مرعب.. يوسف أيضاً عمل أستاذاً بجامعة النيلين والخرطوم، وهذه محطة اشترك فيها مع الزبير، فكلاهما عملا أستاذين بجامعة الخرطوم مع الاختلاف في التخصصات بالطبع، لكن يوسف لم يشتهر بإثارة الجدل وإنما بقى قريباً من قفة الملاح والأرقام بعيداً عن العصف السياسي المباشر، وبجانب ذلك فهو يمتاز بعلاقات جيدة مع البنوك ومؤسسات التمويل وتربطه صلة بكبار قادة الدولة، لكنه في الغالب سيمضي اليوم أو غداً عبر موكب كبير في شارع الموت ليفترع أولى خطواته هنالك، ويتسلم مفتاح قصر الضيافة، وسيكتشف أن ولاية الجزيرة هي أكثر شراسة في مقاومة الظلم والقهر والفساد إذا مضى على ذات النهج القديم، عمره فقط أشهر قليلة تسبق الانتخابات، ومع ذلك سيكون التفاؤل سيد الموقف.!!

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/SIZE][/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. لو كنت قد عينت فى مكانك يا سيادة الوالى الجديد لجعلت مكتبى فى ركن من أركان مقر إدارة مشروع الجزيرة ولجعلت همى أن أنهض بالمشروع حتى (ولو دخلت فى حرب مع مديره العام)فالمشروع هو أساس الجزيرة وصلاحه صلاح لناس الجزيرة ، أى عمل آخر وأى أنشطة أخرى تعنى الدوران فى حلقة مفرغة. نرجو أن يكون تعيينك فرصة لتقنعنا بها الدولة أن ماحاق بمؤسساتنا الكبيرة والاساسية (مثل المشروع) ليس عملا مقصودا أو تدميرا ممنهجا، فقط انظروا ل: مشروع الجزيرة ، سودانير ، سودان لاين ، السكة حديد،…………………………………………