(التمويل الاصغر).. مدير جديد لتحديات ماثلة
أصبح التمويل الاصغر مصطلحاً متداولاً الآن بين الناس رغم انه تجربة سودانية قديمة قدم البنوك بالبلاد، حيث كانت البنوك في الماضي تمول مشروعات الحرفيين وصغار المنتجين وتستقطب مدخرات الموظفين والعاملين كما تمول الاتحادات المهنية والحرفية والتعاونية سواء عبر تجارب البنك الاسلامي السوداني لصغار الحرفيين او بنك فيصل الاسلامي او بنك التنمية التعاوني الاسلامي وغيرها من البنوك..
—-
ولكن في الفترة الاخيرة أصبح مصطلح التمويل الاصغر يتردد كثيراً في الادبيات والندوات وورش العمل بعد أن أدرج بنك (السودان المركزي) لأول مرة في السياسات التمويلية والمصرفية للعام 2006م سياسات واضحة بشأن التمويل الاصغر، وقرر انشاء وحدة للتمويل الاصغر بالبنك المركزي لتنفيذ هذه السياسات وتم تدريب الكوادر واستقطاب موارد البنوك التي الزمها بتخصيص (10%) من سقوفات التمويل الى مشروعات التمويل الاصغر.
وبدأت وحدة التمويل الاصغر في ممارسة عملها ووضع السياسات والضوابط والاجراءات التي تنظم عمل التمويل الاصغر وتدريب الكوادر وتنظيم ورش العمل لنشر ثقافة التمويل الاصغر وحث البنوك على تخصيص سقوفات التمويل التي نصت عليها سياسات البنك المركزي لانفاذ مشروعات التمويل الاصغر الى جانب مشاركة هذه الوحدة عبر البنك المركزي في إنشاء بنك الاسرة الذي مارس نشاطه قبل نحو عام في تمويل الاسر الفقيرة والمنتجة والشرائح الضعيفة بتمليكها وسائل الانتاج.. ولكن قبيل أن تظهر ثمار هذا الغرس لادارة وحدة التمويل الاصغر، قرر البنك المركزي تعيين (خالد الأمين) مديراً جديداً للوحدة خلفاً للمدير السابق اشراق ضرار التي لم يجدد معها العقد.. الامر الذي يطرح بعض الأسئلة حول أثر عدم الاستقرار الاداري على تنفيذ تجربة التمويل الاصغر، ومدى نجاح وفشل الادارة السابقة وفرص نجاح المدير الجديد والتحديات التي تواجه الادارة الجديدة والى أين تتجه تجربة التمويل الاصغر؟!
وللاجابة عن هذه الاسئلة يرى الخبراء أن عدم الاستقرار الاداري في المؤسسات والوحدات الحكومية والقطاع الخاص يؤثر سلباً على العمل، كما ان طول فترة الادارة أيضاً له تأثيراته السالبة، غير ان تجربة التمويل الاصغر تحتاج لادارة لها رؤية واضحة وعلاقات واسعة ودعم من الدولة لضمان نجاحها خاصة وان التجربة وليدة تحتاج الى سياسات جديدة، وتحتاج لمن ينزلها لارض الواقع لتخفيف وطأة الفقر وسط المجتمع. واكد الخبراء ان هنالك عقبات وتحديات عديدة تواجه تجربة التمويل الاصغر، والادارة الجديدة تتمثل في عدم التأسيس العلمي لتجربة التمويل الاصغر، والنواقص الواضحة في خطة التمويل الاصغر والمتمثلة في عدم التناغم بين السياسات الكلية للدولة والسياسات القطاعية واستخلاص تجربة سودانية تقتبس من التجارب العالمية في مجال التمويل الاصغر ومحاربة الفقر خاصة وان التمويل الاصغر منطقة مخاطر. فضلاً عن عدم وجود سياسات تسويقية لمنتجات التمويل الاصغر.
ويرى الخبراء ان المخرج لتجاوز هذه التحديات يكمن في احداث تناغم بين السياسات الكلية والقطاعية، وايجاد بنية تشريعية وقانونية وضوابط تحكم وتنظم العمل الى جانب منح تسهيلات للمستهدفين وحماية صغار المنتجين ومعالجة مشاكل التسويق والضمانات.
ويؤكد د. محمد سر الختم الخبير الاقتصادي والمصرفي المعروف ان عدم الاستقرار الاداري في اية وحدة او مؤسسة يؤثر سلباً على ادائها مهما كانت القيمة والفلسفة التي أنشئت بموجبها هذه الوحدة او المؤسسة، خاصة وأننا في دول العالم الثالث ليست لدينا ادارة تدير العمل، بل المدير هو من يضع السياسات والبرامج والضوابط وينفذها ليأتي من خلفه من يغير هذه السياسات والبرامج قبل ان تؤتي ثمارها، ويضع سياسات وبرامج حسب رؤاه.. بل قد يجد المدير الجديد مجموعة ضغط من العاملين تصور له ان الادارة السابقة كانت على خطأ وكانت تفعل كذا وكذا ولكنه اذا فعل كذا فإنه سيحقق نجاحات وبالتالي تنقاد الادارة الجديدة لهوى هؤلاء وتحدث الطامة.
واضاف د. سر الختم في حديثه لـ («الرأي العام» ينبغي أن نحاسب الادارة على ادائها بوسائل متعددة للمحاسبة بدلاً من تغييرها، خاصة وان المحاسبة تعطي وضوحاً في الرؤية وتصحح الخطأ والمسار ولكن اذا جاء مدير جديد سيرتكب خطأ وتتراكم بذلك الاخطاء.
وأكد د. سر الختم أن هنالك تحديات عديدة تواجه الادارة الجديدة وتجربة التمويل الاصغر التي قال انها تجربة قديمة لم تقنن إلا في السنوات الاخيرة، حيث اجمل هذه التحديات في الشرائح التي تحصلت على تمويل اصغر من الادارة السابقة كيف سيتم استرداد التمويل ومتابعته؟ والمشروعات الجديدة ومواكبتها للمرحلة وتابع: (أخشى ان يقود تغيير ادارة التمويل الاصغر الى نوع من الفشل غير طبيعي، واذا فشلت هذه التجربة (التمويل الاصغر) سيؤدي ذلك لعدم الثقة بين البنوك والعملاء والمستهدفين ببرامج محاربة الفقر فضلاً عن ان المدير الجديد سيكون بحاجة الى بناء علاقات جديدة وهذا يحتاج الى وقت وجهد كما انه يفترض ان نركز على الشق الاقتصادي من تجربة التمويل الاصغر ونجاحها وهل يمكن ان تحقق نجاحات سياسية بدلا من خلط الاقتصاد بالسياسة قبل تحقيق نتائج ملموسة عبر تجربة التمويل الاصغر).
ويعضد د. سيد علي زكي – وزير المالية السابق – القول بأن عدم الاستقرار الاداري له آثاره السالبة على عمل اية مؤسسة، بينما طول فترة عمل الادارة له ايضاً آثاره السالبة، داعياً في هذا الصدد الى اجراء تقييم ومحاسبة لعمل اية ادارة قبل تغييرها بغرض الاصلاح وانجاح التجربة، وتابع: (نحن في دول العالم الثالث نعاني كثيراً من عدم الاستقرار في المؤسسات والسياسات والافراد او الادارات، بينما يفترض ان يكون الاستقرار في السياسات بحيث لا يؤثر ذهاب الافراد على عمل المؤسسات طالما السياسات مستقرة والبرامج واضحة) وتابع: ( اعتقد انه كان ينبغي اجراء محاسبة لعمل الادارة السابقة لوحدة التمويل الاصغر لضمان وضوح الرؤية للادارة الجديدة او الابقاء على الادارة السابقة، وحسب علمنا انه تم تكوين لجنة لتقييم اداء الادارة السابقة ولكن لا اعرف ما النتائج حتى احكم عليها).
واكد د. سيد في حديثه لـ (الرأي العام) ان هنالك تحديات عديدة تواجه تجربة التمويل الاصغر والادارة الجديدة اجملها في الوصول الى المستهدفين من الشرائح الضعيفة من صغار المزارعين والمنتجين وضمانات التمويل وتسويق المنتجات وعدم التناغم بين السياسات الكلية والقطاعية الى جانب ايجاد نموذج ناجح يصلح ليصبح تجربة سودانية.
ودعا د. سيد الى ضرورة اتخاذ حزمة من سياسات الاصلاح واحداث تناغم بين السياسات الكلية والقطاعية وتحقيق ربحية للمشروعات الانتاجية وحل مشكلة التسويق وبأن ننتج بتكلفة معقولة ولأسواق معينة لضمان تسويق منتجات التمويل الاصغر الى جانب حل مشكلة الضمانات.
سنهوري عيسى :الراي العام