منى سلمان

وسواس التهكير القسري


وسواس التهكير القسري
[JUSTIFY] مواصلة للموضوع الذي فتحناه عن محبتنا (شيبا وشبّانا واطفالا) لتخزين الكثير من اشيائنا الخاصة القديمة أو التالفة، رغم شبه انعدام الفرصة في الاستفادة منها مستقبلا، نحاول اليوم تركيز الضوء على هذه الظاهرة التي تدفع النفس لـ (التهكير) بما يعرف عند علماء النفس بداء التخزين القسري والذي يتميز بثلاثة ملامح أساسية :
أولها مراكمة أعداد كبيرة من المقتنيات، وهذا الملمح – بالذات – يمكن أن تلمحه داخل تسعة وتسعين بالمائة من البيوت السودانية خاصة في (الحيشان) أو البيت الكبير .. ازدحام جميع غرف البيت بالأثاثات .. سراير طرابيز .. شنط وكراتين .. يونيتات وفضّيات .. دواليب بـ (الكمية) والتي رغم كثرتها لا تتسع قلوبها الحنونة لمحبة كل ملابس ناس البيت، فإكتنازالملابس والعدّة الكثيرة يقدم على توفير الطعام لدى الكثيرين منّا ..
ثاني تلك الملامح هو تكديس الأشياء في أماكن المعيشة اليومية بشكل يصعّب استعمال تلك الأماكن أو نظافتها وترتيبها بصورة مقبولة .. وهنا نضيف لكلام العلماء تخزين الاشياء (تحت السراير) فلو قمنا بمداهمة لعينة عشوائية من البيوت السودانية باستثناء حديثي الزواج والاسر الصغيرة – وبحثنا تحت اسرتها، لما نجا منها سرير من تهمة التكديس بإهمال .. لذلك تكتفي البنيّات من ذوات الخمالة بكنس منتصف الغرف دون المخاطرة بالنزول للمستخبي في الاركان والذي لا تطوله سعفات المقشاشة إلا من عيد لـ عيد ..
وأخيرا نجد ان الأشخاص المصابين بداء التخزين في العادة يتصفوا بأنهم غير حازمين، غير منظمين، ويمارسون التسويف .. ، اعتقد ان ثلاثة ارباعنا وربع نعاني من عدم الحزم وقلة النظام، وأخيرا التسويف والدليل (ألولوا) المتمثلة في لازمة العاملين في الخدمة المدنية (تعال بكرة أو بعد بكرة) !
عندما كتبت عن حال شوارعنا من قبل، دعوت لحملة نتخلص بها من الاغراض القديمة والعربات الهالكة وأكوام الدراب والطوب المكدّسة أمام البيوت، بصورة تخل باي محاولة لتجميل الشوارع، ولكن اساء البعض فهم المغزى من الكلام، فذهب (مستعجلا) لاتهامي بانني اعاين للفيل واطعن في ضلو، وذلك لان المدان بتدهور حال شوارعنا في المقام الأول هم ناس النفايات والمحليات والشركات المتعاقدة لفتح المجاري ..
حسنا يا جماعة على طريقة (الشافعة) محبة الشناف، والتي طلبت من أمها ان تسرع بإخفاء (كروها)، حتى تتمكن بقلب قوي من نبيشة حال (بت أم كرو) والتي كانت تعبر الطريق بالقرب من بيتهم فقالت:
يمة .. يمة .. دسي كروك الننبز بت أم كرو هديك جات !!
أي نعم لا تنتطح عنزتان، على قصور أولي الشأن، المسئولين في المحليات عن اصحاح البيئة وتحويل شوارعنا لروضة من روضات الجنان، ولكن كنت اعتقد ان الدعوة للخير والجمال يجب ان نبدأ فيها بأنفسنا .. فاليقم الرجال والصبيان أولا بالتخلص من كل الكرور المخزن بـ (ريصين البيوت)، بصورة عوقت عمل (السباليق) وتسببت في خرخرة موية المطر على الجدران والعفش واهو الخريف على الابواب، ثم فلتتجه النسوان بقلب قوي غير هيّاب لـ (الزقاق الورا) ورؤوس الدواليب وتحت السراير، وليقمن بالتخلص من كل ما لا يرجى الاستفادة منه في القريب العاجل أو الآجل، وبعدها فالنخرج جميعا للشارع – حتى لا يحتج الرجال بـ (إشمعنا) ولننادي على تاجر (الخرد) ولنقايض ولو ببلاش كل الحديد والهتش والكراكيب .. طبعا تستخسر النساء اشيائهن في بتاع الخرد لأنه يبخس الاسعار فيفضلن رميها عن بيعها له ليستفيد منها، ولو ختّن الرحمن في قلوبهن لرضين من غنيمة الكرايب بالتخلص منها ببلاش !!

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email][/JUSTIFY]